الاثنين 21 ابريل 2025
الرئيسية - تقارير وحوارات - مضايا.. السيارة ليست لأبي هيثم لكنه مات جائعاً!
مضايا.. السيارة ليست لأبي هيثم لكنه مات جائعاً!
التقاط
الساعة 06:48 مساءً

توفي جائعاً محاصراً، في بلدة مضايا بريف دمشق الغربي، التي تحاصرها بشكل خانق -منذ 204 أيام- قوات نظام الأسد ومليشيات حزب الله الشيعي اللبناني، الرجل الذي عرض سيارته للبيع مقابل 10 كيلوغرامات من الأرز أو 5 كيلوغرامات من الحليب، في واحدة من أقسى وأبشع صور ما يمكن لطاغية أن يقترفه بحق شعبه.

وأعلن المجلس المحلي في بلدة مضايا، الأسبوع الماضي، وفاة محمد علي خريطة (أبو هيثم)؛ "وذلك نتيجة سوء التغذية ‫والجوع"، وهو من الزبداني نزح إلى مضايا هرباً من القصف بالبراميل المتفجرة.



ونقل نشطاء محليون أن "خريطة" كان يملك أرضاً في سهل الزبداني ويعمل بها، وكان وضعه المادي جيداً إلا أن الحصار الذي يفرضه الأسد وحلفاؤه اضطره إلى عرض سيارته للبيع مقابل 10 كيلوغرامات من الأرز أو 5 كيلوغرامات من حليب نيدو.

وكانت صورة لسيارة وضعت عليها ورقة مكتوب عليها "للبيع مقابل 10 كيلو رز أو 5 كيلو حليب نيدو"، قد جرى تداولها بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين تداول نشطاء صوراً أخرى لسيارات معروضة لأنواع أخرى من الغذاء مثل الطحين والبرغل وغيرها.

وقال شخص من آل خريطة، مقيم بمضايا أيضاً، تحدث إليه مراسل "الخليج أونلاين" للتوثّق من القصة: "إن أبو هيثم لم يكن يملك سيارة أصلاً، السيارة لأحد أقربائه، لكن كل ما ورد عدا ذلك صحيح؛ فالكهل مات من الجوع، والعشرات يعرضون أغلى شيء يملكونه مقابل حفنة غذاء قد لا تكفي أطفالهم يومين".

وأضاف: "لو عرض أحدنا سيارته للبيع فمن يشتريها؟ الكل هنا جائع حدّ الموت عدا تجار الدم".

وكانت صفحة المجلس المحلي لمضايا على فيسبوك نشرت، الثلاثاء الماضي، منشوراً مرفقاً بصورة لرجل متوفى عليه علامات نقص التغذية، نعت فيه "استشهاد جميل أحمد علوش، أبو عماد، بسبب نقص الغذاء"، كما نشر أول من أمس الأحد، نبأ "استشهاد أحمد عبد الكريم جواد نتيجة سوء التغذية والبرد القارص".

ويبدو أن ما وعدت به صفقة التبادل (الزبداني - كفريا الفوعة) التي عقدت في شهر سبتمبر/ أيلول بين حركة أحرار الشام الإسلامية ممثلة عن أهالي الزبداني، وموفد إيران ممثلاً لنظام الأسد والمليشيات، وجرى تنفيذها مؤخراً بإجلاء جرحى المدن الثلاث إلى وجهاتهم (لبنان وتركيا)، من إدخال المساعدات إلى مضايا المحاصرة التي يوجد فيها أعداد كبيرة من نازحي الزبداني، لم يتحقق منه شيء.

- حملات

وفي حين عجزت الأمم المتحدة بمنظماتها الإنسانية المتعددة التي استطاعت الوصول إلى الزبداني المجاورة، المحاصرة هي أيضاً، وإخراج الجرحى منها، عن إيصال المساعدات لمضايا، تداعى نشطاء محليون بالتعاون مع منظمات ونشطاء سوريين في الخارج للعمل على تنفيذ حملات جمع تبرعات من أجل كسر حدة الحصار عن البلدة.

وتحت اسم "الحملة المدنية لإنقاذ مضايا والزبداني من واقع الموت جوعاً"، انطلقت إحدى أشهر الحملات التي جرى توثيقها من قبل المجلس المحلي داخل البلدة، كحملة موثوقة، حظيت بتعاطف ودعم واسعين على ما كشفت صفحة الحملة على الفيسبوك.

وعلى تويتر، أطلق مغردون ونشطاء، اليومين الماضيين، ويتواصل في الأثناء وسم #مضايا_تموت_جوعاً، طالبوا من خلاله بفك الحصار عن مضايا، وعرضوا عبره صوراً مروعة لواقع الأهالي داخل البلدة المحاصرة، ومقاطع مصورة تظهر أطفالاً يأكلون الحشائش، وأشخاصاً بدا على أجسادهم الوهن واستحالوا إلى هياكل عظيمة برزت فيها العظام وغار اللحم والجلد.

وفي داخل مضايا، وحَّد نشطاء العمل الإنساني جهودهم من أجل العمل معاً على إنقاذ السكان، وأطلقوا "الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني"، والتي أخذت على عاتقها التنسيق مع الجهات الخارجية التي تطلق حملات لإيصال المساعدات إلى المستحقين في الداخل.

وأخذ الشعار البصري لواحدة من تلك الحملات شكل رمز "الخطر الكيماوي"، على أنه رسم بعُقد سياج شائك، في إشارة إلى أن القتل تجويعاً لا يختلف عن القتل بغاز السارين والسلاح الكيماوي، فيما يحمل سؤلاً ضمنياً مفاده: لماذا يتحرك العالم عند القتل بالكيماوي ولا يتحرك عند القتل بالتجويع؟

على أن الأسد ثابت على شعاراته التي يحفظها السوريون تماماً، وكما طبق جنوده شعار "الأسد أو نحرق البلد"، وحرقها بالفعل، يطبق شعار "الجوع أو الركوع" بلا كلل في غير منطقة من سوريا، ويبدو أنه هذه الأيام في ذروة فتكه بمضايا.

وعلى ذكر "الفتك"، ففي مضايا أسلحة فتاكة عديدة يستخدمها النظام لإخضاع الثوار وكسر كرامتهم وعزيمتهم، فهناك كثّف من إغراقها بالنازحين من الزبداني وبقية المناطق المجاورة، وحشرهم فيها حتى بات عددهم يضاهي 40 ألف نسمة، ثم طوقها من كل جنباتها بنحو 6000 لغم فردي، ثم أطبق عليها حصار الدواء والغذاء والألغام والشبيحة، ثم سلّط عليها تجار الحروب الذين انتزعت منهم الشفقة والرحمة، ليزيدوا بدورهم المعاناة، وتكفلت العواصف الثلجية في تلك المنطقة الجبلية بالباقي.

وفرض الحصار غلاءً لا يحتمل في أسعار ما تبقى من المواد الغذائية في البلدة، يجعل البلدة أكثر مكان غلاءً في أسعار المواد الغذائية في العالم كله، إلى حد بلغ فيه سعر الكيلوغرام الواحد من حليب الأطفال أكثر من 150 دولاراً أمريكياً، وسعر كيلو البرغل 40 ألف ليرة سورية؛ أي ما يقارب 100 دولار، وسعر كيلو الأرز 80 دولاراً، ما اضطر أهالي مضايا ونازحيها، البالغ عددهم 40 ألف مدني، إلى أكل أوراق الشجر والأعشاب.

وذكر موقع "قاسيون" السوري، أن أحد سكان البلدة اضطر إلى عرض منزله للبيع مقابل 150 كيلوغراماً من الطحين، ليضمن بقاء عائلته على قيد الحياة.

ولم يقف الأمر هنا، بل إنّ "الجوع الكافر" الذي فرضه حصار خمسة أشهر، دفع بالبعض إلى المخاطرة بأرواحهم وحياة ذويهم، عبر الإقدام للذهاب إلى حواجز نظام الأسد أو مناطق التماس المباشر، وهو ما أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف هؤلاء، إما قنصاً أو بانفجار بعض الألغام التي زرعها جيش النظام وعناصر حزب الله، على ما أفاد مراسل "الخليج أونلاين" تيم القلموني.

وزرعت قوات النظام السوري ومليشيا حزب الله منذ سبتمبر/ أيلول آلاف الألغام في محيط مضايا، وفصلوها عن المناطق القريبة منها بالأسلاك الشائكة لمنع أي عملية تسلل منها وإليها.

وأسفر الحصار المفروض على مضايا وفق ناشطين، عن وفاة 23 شخصاً بينهم أطفال ونساء، قضى عشرة منهم بسبب النقص في المواد الغذائية، وآخرون من جراء الألغام أو إصابتهم برصاص قناصة أثناء محاولاتهم تأمين الغذاء أو جمع حشائش وأعشاب عند أطراف المدينة.

والأسبوع الماضي، نعت تنسيقيات المدينة، أحد أهالي مضايا، من جراء انفجار لغم أرضي، خلال محاولته إدخال الغذاء إلى المدينة المحاصرة، وقتل عدد من شباب المدينة بسبب انفجار الألغام التي زرعتها قوات الأسد ومليشيا "حزب الله" بمحيط المدينة، وذلك خلال محاولتهم التسلل لخارج المدينة لإدخال بعض الطعام والدواء، على ما أكد نشطاء محليون.

وتنقل صحيفة "بلدي نيوز" السورية عن "أم محمد"، وهي سيّدة من البلدة، قولها: "عرضوا علي بيع منزلي مقابل 200 كغ طحين.. لدي أطفال يقتلهم الجوع أمام عيني، وإذا ما بقي الوضع على حاله فسوف أبيعه مقابل الطعام والخيمة.. ماذا سأفعل بالحيطان إن كانت معدة أطفالي فارغة؟".

- أكبر المخاوف

وتشيع مخاوف في مدينة مضايا، من أن يتم استغلال جوعهم من قبل مليشيات حزب الله ومقايضتها بكيلوغرامات من الغذاء، وهو ما يعني استملاك البلدة من قبل عناصر المليشيا اللبنانية وغيرها من المليشيات الطائفية (الإيرانية والعراقية) التي تحاصر البلدة، في تعزيز للأحاديث عن تغيير ديمغرافي في المنطقة لحساب الشيعة وحزب الله.

ونقلت الصحيفة عن حسن الدبس، وهو مسؤول إغاثي بالبلدة، أن ما يحدث بالبلدة "يبكي"؛ "عليك أن تتخيل أن الرجل بيننا اليوم يسعى لبيع بيته وممتلكاته (تعب عمره) محاولاً إنقاذ أطفاله من الموت جوعاً".

ويؤكد الدبس أن المخيف بالأمر أن العروض تأتي من "شبيحة" على علاقة بـ"الحزب"، مضيفاً: "هاد الشي بيخلينا نخاف يكون الحزب عم يشتري بيوتنا مقابل أكلنا".

وفي مقطع مصور يوجع القلب، بثه نشطاء على موقع يوتيوب، ناشدت طفلة من داخل مدينة مضايا بفك الحصار عنهم، وأكدت أنها طوال الوقت تفكر في الطعام.

https://youtu.be/dPzGoZlZTAU

ودخلت بلدة مضايا في حصار مطبق منذ الأول من شهر يوليو/ تموز من العام الحالي 2015، وذلك بالتزامن مع بدء حملة النظام السوري وحزب الله على بلدة الزبداني، وما تبعها من نزوح أهالي الزبداني بمساعدة الثوار إلى البلدة.

ويذكر مراسل "الخليج أونلاين" أن النظام السوري لم يتردد أثناء اندلاع معارك الزبداني في طرد أهلها النازحين والمقيمين في بعض البلدات، التي تقع تحت سيطرته؛ كـ"بقين والإنشاءات والمعمورة"، باتجاه بلدة مضايا وذلك لضمان حصارهم في تلك البلدة، وقصفهم بشكل يومي ضغطاً على الثوار عقب كل محاولة فاشلة له للتقدم.


آخر الأخبار