السبت 19 ابريل 2025
من الخندق إلى الطوفان
الساعة 11:02 صباحاً
احمد عبدالملك المقرمي احمد عبدالملك المقرمي

 من معركة الخندق إلى معركة الطوفان:(ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).

   غربال التطبيع ليس بمقدوره أن يحجب الشمس، و كتابات الزيف المتزلفة ، و المتملقة، و المنبطحة ؛ ليس بمقدورها أن تطمس حقائق التاريخ.

   منذ كانت راية الهداية و التغيير ترسل أشعة النــــور مطلع فجرها بمكة المكرمة، برسـالة الرســـول الكريم صلى الله عليه و سلم ، و تغالب عنت قريش و فجور خصومتها، شدّ وفد من قريش رِحاله إلى يثرب حيث كان قد لجأ إليها اليهود هربا بعد تشريدهم من كل مكان حلوا فيه؛ لخســـة طبـاعهم و ســــوء سلوكهم في أي مكان يفرون نحوه، أو يلجؤون إليه.

   راح وفد قريش البائس يسأل يهود؛ و قد ضاقوا ذرعا بنور هدي محـمـد ـ شأن البوم و خفافيش الظلام ـ فسأل وفدهم اليهود أديننا خير أم دين محمد؟ فرد عليهم اليهود ـ الذين يؤمنون بالجبت و الطاغوت ـ بل دينكم خير من دين محمد.

   لم تكن عداوة اليهود للرسول عليه السلام،و للإسلام من بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، و إنما كانت مبكرة و الإسلام مايزال يضع نور لبناته الأُوَل.

   بَرِمَ يهود بهجرة الرسول و المسلمين إلى المدينة، و راحوا يكيدون ويمكرون ، و كانت المعركة الأولى مع بني قينقاع بسبب خيانتهم للعهد الذي كان أبرمه الرسول كدستور لكل مجتمع المدينة بمختلف طوائفهم و معتقداتهم ، ثم لحق تلك المعركة معركة المسلمين مع بني قريظة لغدرهم و خيانتهم أيضا.

   جمع حيي بن أخطب اليهودي كيده، و مكره، و حقده، و هو يُطرد من المدينة؛ ليبدأ بنسج خيوط كيده و حبال مكره من خيبر التي فرّ إليها. و وجد في مشركي قريش ضالته و هم الذين أتوا يهود  من قريب يشكون  دين محمد. و اليوم يأتيهم حيي بن أخطب و معه نفر من يهود يكيدون للرســــول عليه السلام، و المسلمين، و يحرضون قريشا عليهم، و يعدونهم أن يكونوا معهم ، و يؤكـدون لهم أنهم قد حشــدوا  معهم قبيلة غطفان، و قبائل مشركة أخرى، و يُمَنّون قريشا أنه قد آن أوان استئصال الإسلام و المسلمين.

   تبـًّا لها غَطَفان، و هي تتخلى عن عروبتها ، و تبـا لها قريش ، و قد أعماها الحقد، و غرقت في وحل منافعها، و الخوف على فقدان مصالحها ، فلم تبالِ  منها  أن تتنكر لأرومتها ، و حسبها و نسبها التي تدعي الفخر فيه، و الزهو به.

   أثمر حقد يهــود أن جمع تحالفـا ليستأصل به المســـلمـين ، و إبادتهم بزعم مخططهم، و على يد تحالفهم !

   تفاجأ تحـــالف يهود حين وصـل مشارف المدينة أن وجدوا أمامـهم خنـدقا طويـلا ، يحول بينهم و بين اقتحــام المدينة، و طيلة مدة حصارهم لم يستطع تحالفهم أن ينال من المدينة أو يجد ثغرة ينفذ منها.

   أيعود يهود خائبين و قد جمعوا تحالف الاستئصال؟ و أنّى لهم إن عادوا خائبين أن يجتمع لهم هذا التحــالف من جديد؟ و من يضمن لهم أنّ النخوة العربية لا تستيقظ؟ و من يأمن أن الحمية العربيـــة لا تثوب إلى رشـدها ؛ فتأبَى أن يكيد العربي للعربي، أو أن يقتل العربي العربي؟

   و نبش حيي بن أخطب كل ما بداخله من كيد و حقد و مكر؛ ليهديه شيطـــانه إلى أن يمضي إلى آخـر قبيلة يهودية  في المدينة لاتزال على عهدها مع محمد ، هي بني النضير ، طالبا منها أن تغدر بعهدها، و تنقض الميثاق، لتمثل منفذا لتحالفهم  ينفذون منه ؛ فتمنّع في البداية زعيمها مُقـرا بأنه لم  يَرَ  من محمد إلا كل صدق و بر و وفاء ؛ غير أن شيطان يهود الأول ـ ابن أخطب ـ ظل يأتيه من كل ناحية و جانب، حتى أيقظ كل خسة في زعيم بني النضير، و أعاده إلى حقيقة يهوديته التي لا ترقب إلًّا ، و لا ذمة، و لا عهدا ، فأعلن غــــــدر بني النضير ، و نقض الميثاق، و هي حقيقتهم منذ ما قبل السامري، و بعده، و حتى نتنياهو و من يخلفه.

   حينها ـ في معركة الخندق ـ لم يكن المسلمون، يأملون في نخوة عربية تتحرك، أو حَمِيّة عربية تثور.

   عــــروبة غطفان يومها لم تأنف أن تنقاد لحـلف يهود ، و لا استهجنت أن تجد نفسها ذيلا لهم ؛ و لكنها حين عرض عليها الرسول ثلث ثمار المدينة على أن تنسحب من ذلك التحالف المشين، رضيت، و وافقت.

   ويحه ذلك الفخر و التفاخر بالنسب ، و الحسب ، و المحتد، و الأرومة الذي تموت نخوته، و تغيب حميته عند المبـــــــادئ و القيم ، و يمحو كل ذلك لُعـــــاب الطــــمع و مزاعم المنفعة ، و أوهام  المصالح، فيخور، و يسقط في أوحالها.

   و اكتمل بغدر بني النضير الحصار، و أُحْكِم التطويق، و قال قائل النفاق : ( إن بيوتنا عورة ) فيما قـال من على شاكلته : ( فلنجاهد بالسنن )، و مهما تعددت الأصفـار ، فهي مجرد غثا، و تبقى المبـــادئ ، و المُثُل العليـــا، هي من تقود إلى الكـرامة و العُـلا.

   و انتصر المســلمون في معركة الخندق ؛ بثباتهم على المبدأ، و صمودهم في وجه الطغــاة و الطغيـان: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).
   فكيف تحقق النصر؟ إنه بيد الله، و بالكيفية التي يريد، يمنحه الصادقين المخلصين.

   و من الخنـــــدق إلى الطوفــــــان ، زمن كله عبر ، و عظات، و دروس؛ لمن ألقى السمع و هو شهيد.


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار