الخميس 28 مارس 2024
هل تعلمنا النظافة من الأوربيين   أم هم تعلموها منا؟
الساعة 06:55 مساءً
 د. رصين بن صالح د. رصين بن صالح

***
كلمتان – من كلام عرب الجاهلية - احفظوهما جيدا: خلاء وغائط:
فالخلاء هو المكان البعيد القفر خارج بيوت الناس،
والغائط هو الذي بقي - في اللهجة المصرية – باسم الغيط، وهو الأرض الزراعية البعيدة عن البيوت أيضا..
والعرب تعبر عن قضاء الحاجة بقولهم: تخلى أو تغوط.. إذا ذهب بعيدا في الخلاء والغائط؛ حيث لا يراه الناس، ولا يؤذيهم..
وفي صحيح مسلم – من حديث أبي هريرة - قال رسول الله: اتقوا اللعانَين! قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم..
إذن قضاء الحاجة – بعيدا عن المدن والأسواق وبيوت الناس - هذه عادة ورثها عرب الجاهلية من حنيفية إبراهيم عليه السلام؛ ولذلك فالإسلام – لما جاء به محمد – إنما جاء ليعلم الناس أحكام (الطهارة) وليس (النظافة) لأن النظافة كانت عندهم معروفة، والعرب أمة نظيفة متنظفة.. بعكس غيرهم من الشعوب الوسخة النتنة القذرة..
وإبراهيم عليه السلام كان قبل ثلاثة آلاف سنة على الأقل.. بينما أوربا لم تعرف النظافة إلا قبل مئة وستين سنة، وتحديدا منذ عام 1858 فيما عرف في تاريخ إنجلترا بـ Great Stink عصر النتن العظيم.. وأصلا معنى كلمة (لندن) هو: المدينة القذرة.. وقتها كان سكان لندن أكثر من ثلاثة ملايين، ولأن الشعوب الأوربية – حتى الآن – شعوب منزوعة الحياء وقحة لا تبالي إذا انكشفت عوراتها، فكانت النساء – فضلا عن الرجال – يقضين حاجتهن في الشارع العام، وأمام الناس، ويرمين الخرق المتسخة بدم الحيض، وفضلات المواليد والرضع في نهر التيمز.. أضف إلى ذلك الفضلات التي كان يتخلص منها الجزارون وبائعو الخضرة، وحتى أطباء التشريح.. فكانت شوارع (لندن) – في عصر النتن العظيم – تعج بروائح العفن من مختلف المصادر من: فضلات بشرية، وحيوانية، وخرق غارقة في الدم، وخرق غارقة في فضلات الأطفال.. ناهيك عن (الزبالة والقمامة) الرسمية، وعظام وبقايا الحيوانات، وحتى أشلاء بشرية كان يتخلص منها الأطباء.. وهذا هو السبب الرئيسي لانتشار الأوبئة – وعلى رأسها الكوليرا – التي قتلت من الإنجليز والأوربيين ملايين..
ومن أشهر من شكَوا من مدى قذارة نهر التيمز – في العصر الفيكتوري – من العلماء عالم الفيزياء والكيمياء مايكل فاراداي، ومن الأدباء تشارلز ديكنز..
وفي ذلك الوقت تفتق ذهن المهندس العبقري جوزيف بازلجيت عن فكرة (مجاري لندن) التي تطلبت أولا تنظيف نهر التيمز، الذي تكلفت عملية تنظيفه ميزانية ضخمة اضطر البرلمان للموافقة عليها؛ لأن القذارة كانت قد بلغت أبواب مبنى البرلمان، وبدأت تؤثر عليه وتتسب في تعطيل اجتماعات أعضائه..
وتم تنفيذ مجاري لندن على طول نهر التيمز – الذي يجتاز عدة مدن إنجليزية، وليس فقط لندن - ويمتد طوله لثلاثمئة وأربعين كيلو مترا.. وهذا النهر كان لونه بين الأسود والأحمر والأخضر من كثرة القاذوات التي ألقيت فيه، والتي تسببت في أزمة في مياه الشرب.. تماما كما كان حال نهر البوسفور في إسطنبول قبل أن يفوز فيها أردوجان عام 1994.. وكما قضى أردوجان على مشكلة (قذارة إسطنبول) بتنظيف نهر البوسفور – حتى أصبحت مياهه زرقاء من شدة النقاء والصفاء – كذلك تماما فعل فريق العمال والمهندسين الذي رأسه بازلجيت.. وكتفكير استراتيجي منهم، جعلوا قطر مواسير المجاري ثلاثة أمتار، بحيث لا يمكن أن تنسد مجاري لندن، مهما ألقت النساء فيها من خرق وأكياس..
ولم يكن قادرا على سد مجاري لندن – ومثلها مجاري نيويورك في أمريكا – إلا ملايين الجرذان..
ومنذ مئة وخمسين عاما، أصبح المواطن اللندني والإنجليزي والبريطاني والأوربي – فيما بعد – يقضي حاجته داخل بيته؛ لأن جميع بيوت ومناطق لندن تم توصيلها بشبكة المجاري..
وكما أخذ الأربيون من العرب أسلوب بناء (الحمامات) داخل البيوت، كذلك أخذوا منهم أصول وقواعد النظافة الشخصية؛ وذلك من خلال الاحتكاك بالإسبان والبرتغاليين والقوط الأندلسيين.. الذين كانوا قد تعلموا من العرب سنن الفطرة الحنيفية العشر: 1- الاستنجاء 2- المضمضة 3- الاستنشاق بالماء 4- تنظيف الأسنان 5- قص وتخفيف الشارب 6- قص الأظافر 7- نتف الإبط 8- حلق العانة 9- غسل أصابع اليدين والقدمين بدقة.. والختان الذي هو مشترك بين المسلمين وبين اليهود..
هذه أوربا التي لم تعرف نظافة الشوارع إلا منذ مئة وخمسين عاما..
بينما لو تمشى إنسان – في أسواق العرب العصر الجاهلي – لما شم رائحة كريهة؛ ذلك أن العرب لم يكونوا يقضون حاجتهم - كما كان يفعل الأوربيون – في الطريق والأسواق والمدن.. بل كانوا يذهبون بعيدا هناك للخلاء والغائط..
ونختم بقصة الإفك الذي تعرضت له أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بت أبي بكر؛ فإن سبب ذهاب الجيش وتركها في الصحراء، هو أنها ذهبت بالليل تقضي حاجة هناك بعيدا عن الجيش في الخلاء.. وتحرك الجيش وتاهت هي، ثم جلست تبكي حتى جاء صفوان بن المعطل رضي الله عنه، وأردفها خلفه على الحصان؛ حتى أدرك جيش رسول الله.. ولما رآهما المنافقون ظنوا بهما الظنون.. حتى أنزل الله سورة تتلى إلى يوم القيامة، برأتها من فوق سبع سماوات.. ووصفتها بالمحصنة والغافلة والمؤمنة..
فالحمد لله على نعمة الإسلام.. التي كانت سببا في نظافة الإسبان والبرتغاليين – إلى حد ما – مقارنة بالبريطانيين والفرنسيين والهولنديين وغيرهم من جنسيات أوربية، لم يتح لها أن تتعلم أصول وقواعد النظافة والطهارة كما تعلمها الإسبان والبرتغاليون من عرب الأندلس..
وكتاب النصارى (المكدس) ليس فقط يفتقد للحديث عن (تالنظافة) بل إنه ينهى عنها؛ ولهذا السبب كان رجال الدين من الرهبان والراهبات - إلى زمن قريب - يتفاخرون بتنفيذ تعاليم (يسوع) في عدم الاغتسال لأشهر.. وفي تحمل الورائح العفنة الصادرة من الأجساد التي لم يمسها الماء منذ اشهر.. ومما يذكر عن ملكة قشتالة - التي حكمت بعد سقوط الأندلس - أنها نذرت إذا نصرها الرب (على المسلمين) ألا تمس الماء سنتين، وقد وفت بنذرها..
فإن كتب النصارى - وسائر الأديان - ليس فيها آية كالتي في قرآننا نحن المسلمين تقول مثلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ}المائدة6
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }المدثر4
وفي مقال سابق ذكرنا: أن الأوربيين لم يتعلموا العرب فقط قواعد النظافة.. بل تعلموا منهم الأدب والشعر، وشكسبير نفسه (1616) إنما تعلم ميزان الشعر من عرب الأندلس..
وكذلك تعلم منهم شعر الغزل.. ولذلك فإن شكسبير هو أول شاعر أوربي، يكتب قصائد الغزل (العذري) التي ليس فيها ذكر لمفاتن ومحانس المرأة.. كما كان يفعل الشعراء من قبله.. وما تعلم شكسبير احترام المرأة إلا من العرب..

* من صفحة الكاتب على الفيس بوك


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار