السبت 20 ابريل 2024
المؤتمر الشعبي العام مفتاح الحل المهمل في اليمن
الساعة 08:49 صباحاً
شادي صالح باصرة شادي صالح باصرة

من خلال حواراتي مع أعضاء وقيادات الأحزاب السياسية المختلفة وخصوصا التجمع اليمني للإصلاح، دائما ما نتوصل لنتيجة مفادها أن غياب المؤتمر اثقل من عبئ الإصلاح على المستوى السياسي، وخصوصا وان الكثير من دول الإقليم والعالم تتوجس من التعامل مع الإصلاح بسبب خلفيته الدينية وهو ما دفعة لإجراء خطوات كثيره مؤخرا ولعل أهمها انفصاله التنظيمي عن جماعة الاخوان المسلمين .

وبقدر حرص الإصلاح على بقاء المؤتمر كمنافس له في الساحة السياسية، مازال يتوجس من دعمة و لا يريد له التعافي التام، فقد كان المؤتمر العائق امام محاولات الإصلاح الدؤوبة للوصول للسلطة منذ نشأته في 1990، وبكل تأكيد ان عودة المؤتمر ستشكل خطر سياسي ليس على الإصلاح وحسب ولكن على معظم الأحزاب اليمنية وخصوصا انه الحزب الوحيد الذي عرف عنه الوسطية و لم يُصدر لليمن من الخارج. فالمؤتمر هو احد الأحزاب القليلة المتواجده في كل اليمن، ورغم تضائل مؤيديه في الجنوب منذ 2007 بسبب بزوغ الحراك الجنوبي، ولكنه مازل يحظى بحضور قوي في تكتلات جنوبية مهمة ومنها المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع ومجلس الحراك الثوري، بل وتتباهى تلك التكتلات بعضوية قيادات مؤتمرية معروفة لديها لإثبات حاضنتها المتنوعة وقبولها بالأخر، بل ولا ابالغ لو قلت ان المؤتمر هو العنصر المشترك الوحيد بين كل التكتلات اليمنية والجنوبية بإختلاف أهدافها وأبجدياتها!

تكمن مشكلة المؤتمر في انقسامه الكبير بعد مارس 2015 أبان عملية عاصفة الحزم بين المؤتمريين الذين انضموا لشرعية الرئيس هادي و المؤتمريين الذين فضلوا البقاء في صنعاء وعارضوا تدخل التحالف في حل الازمة اليمنية.

وقد ضاعف هذا الانقسام عملية الاغتيال السياسي التي نفذتها جماعة الحوثي ضد قيادة المؤتمر العليا في 4 ديسمبر 2017ممثلة بالرئيس السابق صالح وامينة العام عارف الزوكا وكثير من قياداته (رحمهم الله). وعلى الرغم من ان موت صالح أدى لصدع كبير في المؤتمر، لكن هذا الصدع كاد ليتضاعف مئات المرات لو تمت عملية الاغيال قبل أن يطلق صالح ما عرف بوصاياه الأخيرة والتي دعت إلى الحفاظ على الجمهورية والدستور والوحدة وعدم التعامل مع حلفاءه في حركة أنصار الله.

قتل صالح وامينة العام وهم داخل اليمن ولم يخرجا منها كما وعدا منذ بداية الازمة، وأدت هذه الوصايا لرأب الصدع الأكبر بين أنصاره وبين أنصار الرئيس هادي والتي برزت بنعي الرئاسة لصالح ولأمينه العام ومن ثم بادر التحالف بتجهيز طارق بجيش لقيادة جبهة الساحل والتي شكلت الكثير من الضغط على الحوثيين على المستوى العسكري.

لا يختلف اثنان على أن عودة تفعيل المؤتمر الشعبي العام امر مهم ليس فقط لإثراء العملية السياسية في اليمن، بل للحفاظ عليها من الاندثار. واضح ان الخلاف الحاصل اليوم بين المؤتمريون ينحصر في اتجاهيين وهما إنشاء مؤتمر جديد من الصفر او المضي بنفس المؤتمر الذي كان يجسده صالح بما امتلكه من كاريزما قوية وحضور كبير ساهم فيه بقاء الحزب في الحكم لأكثر من 3 عقود. اعتقد ان للمؤتمر تاريخ لا يمكن طمسه، وان الرئيس الراحل ترك ارث كبير من الصعب تجاهله بسلبياته وايجابياته، وان خلق مؤتمر جديد هو عملية تغطية فاشلة لصورة المؤتمر المتجذرة في اذهان اليمنيين.

 لكني أيضا مؤمن ان المؤتمر يجب ان يمضي بخطى ثابته للمستقبل من خلال اعترافه بأخطائه، وباستلهام وصايا مؤسسه، وان يتحول إلى حزب مؤسسي فاعل بقياداته وأفراده بعيدا عن السلطة وجراحات الماضي.

 ولعل محنة الانقسام وعدم تمكن المؤتمر من الحكم الان يساعد الحزب على مراجعة ابجدياته كحزب سياسي يستطيع أن يكون الأول في كراسي المعارضة او السلطة.

 فلا يمكن لمؤتمري عاقل ان يتجاهل هذا الإرث والشعبية التي تركها صالح بين أنصاره إلى يومنا هذا حتى بعد موته قبل عامين!

يتوجب على الاحزاب السياسية الفاعلة اليوم دعم المؤتمر بكل قوة ليعيد المؤتمر قوامه الداخلي، ليس بتفريخ مؤتمر جديد وهي محاولات تستنزف الكثير من الوقت والمال، و دائما ما تفشل ونتائجها تكون وخيمة. وكما يقول المثل الإنجليزي (لا داعي لإعادة اختراع العجلة!).

فقد مورس التفريخ على الحراك الجنوبي وشارك في عملية التفريخ كل الأحزاب ومنها المؤتمر نفسه، لكن ماذا كانت النتيجة وأين هي تلك الفراخ! انصهر جميعها ولم تبقى سوى تلك المكونات التي تعبر حقيقة عن المزاج الجنوبي و ابرزها المجلس الانتقالي و مؤتمر حضرموت الجامع ومجلس الحراك الثوري، وبوجود هذه المكونات ستعزز أي عملية سلام في الجنوب لما تمثله لشريحة كبيرة في المحافظات الجنوبية.

لقد خسر التحالف صالح كأحد أدوات حل الصراع، ولا يجب تكرار تلك الخساره بتجاهل المؤتمر الذي يمثل أحد المفاتيح الرئيسية لحل الصراع و لضمان سلام طويل الأمد في اليمن، هذا إن لم يكن هو الوحيد القادر على هذه المهمة.

 قد يتبدى للبعض ان فرص عودة المؤتمر على الساحة ضئيلة دون تحقيقه لنصر عسكري على الأرض، وهذا صحيح، ولكن اذا تمت عملية السلام في اليمن، يتوقع اندثار تكتلات وقوى تفوقت في المجال العسكري في السنوات الأخيرة لكنها لم تخبر العمل السياسي والمؤسسي ، وحينها لن يصمد غير الأحزاب العريقة وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام.

ندعوا المملكة والمبعوث الأممي على تبني حوار مؤتمري مؤتمري، يجمع بين كل القيادات في الداخل والخارج، والذي يهدف من خلاله لوحدة الصف، و المساهمة لإعادة دور المؤتمر الحزبي والمؤسسي ليكون قادر على التعامل مع المرحلة القادمة باقتدار بعد اتفاق السلام الذي ينتظره كل اليمنيون.

وأتمنى من كل الأحزاب اليمنية وخصوصا المؤثرة على القرار السياسي في اليمن بدعم هذه التوجهات إلى أن يستعيد اليمن ارضه وأمنه وحينها فسيكون هناك مجال للتذاكي والحيذقة من اجل السلطة من خلال المسار الدستوري والديمقراطي داخل الجمهورية اليمنية.

للأسف، كل الاقتراحات أعلاه لا يمكن ان تتم دون ان يترفع المؤتمريون أنفسهم عن جراحهم، ويتفهم بعضهم البعض لضغوط الداخل والخارج التي تمارس على قياداته في كل مكان. فإذا لم يستطع قيادة المؤتمر لملمة انفسهم، فلا يمكنهم ان يحدثونا عن استعادة مشروع الدولة في اليمن المقسم والمثخن بالجراح.


آخر الأخبار