كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في ليتوانيا عن نتائج مثيرة وغير متوقعة حول تأثير الصيام المتواصل لمدة خمسة أيام يقتصر على شرب الماء فقط، على صحة الإنسان من الجوانب الجسدية والنفسية.

الدراسة، التي نُشرت في مجلة PLOS ONE، شملت 42 امرأة في منتصف العمر يتمتعن بصحة جيدة، خضعن لبرنامج صيام صارم تحت إشراف طبي دقيق، مع مراقبة شاملة لمجموعة من المؤشرات الحيوية طوال فترة التجربة.

وأظهرت النتائج تغييرات واضحة في عملية التمثيل الغذائي لدى المشاركات، حيث سجل انخفاض كبير في مستويات الجلوكوز والأنسولين، مقابل ارتفاع الأجسام الكيتونية في الدم بمعدل خمسة أضعاف، ما يشير إلى انتقال الجسم للاعتماد على الدهون كمصدر رئيسي للطاقة. كما فقدت المشاركات في المتوسط 4.25 كغ من الوزن، وانخفض محيط الخصر بمتوسط 6.6 سم، وهو ما يتماشى مع نتائج دراسات سابقة حول فوائد الصيام في تقليل الوزن وتحسين المؤشرات الأيضية.

لكن المفاجأة اللافتة كانت في ارتفاع مستويات بعض مؤشرات الالتهاب مثل "إنترلوكين-6" و"عامل نخر الورم ألفا"، وهو ما يتعارض مع الفرضية الشائعة التي تربط الصيام بانخفاض الالتهابات في الجسم.

وأعرب الباحثون عن قلقهم من ملاحظة فقدان ملحوظ في الكتلة العضلية، حيث أظهرت البيانات أن المشاركات فقدن في المتوسط 3.18 كغ من الكتلة العضلية مقابل 1 كغ فقط من الدهون، مما قد يشير إلى مخاطر محتملة على البنية العضلية خلال فترات الصيام المطول.

من ناحية أخرى، أظهرت الدراسة تحسنًا نفسيًا ملحوظًا لدى المشاركات، حيث شعرن بزيادة النشاط والحيوية وانخفاض مستويات التوتر. كما كشفت النتائج عن علاقة وثيقة بين الصفات النفسية واستجابة الجسم للصيام؛ فالأشخاص الذين يتمتعون بقدرة أعلى على التحكم في الانفعالات ومستويات مرتفعة من الذكاء العاطفي حققوا نتائج أفضل في فقدان الدهون، بينما ارتبطت العصبية والتوتر بفقدان أكبر للكتلة العضلية.

على المستوى الهرموني، حافظ هرمون الأديبونكتين على مستوياته، في حين انخفض هرمون الإيريسين بشكل ملحوظ، ولم يُسجل أي تغيير يذكر في عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، وهو ما يطرح تساؤلات جديدة حول التأثيرات الهرمونية للصيام الطويل.

ورغم بعض القيود التي شابت الدراسة، مثل غياب مجموعة ضابطة والتركيز على شريحة محددة من النساء في سن معينة، إلا أن نتائجها تسلط الضوء على أهمية اتباع نهج فردي في برامج الصيام، يأخذ بعين الاعتبار الخصائص النفسية والجسدية لكل شخص، مع ضرورة حماية الكتلة العضلية أثناء الصيام المطول.

وتؤكد هذه الدراسة أن الصيام، رغم فوائده المعروفة، يظل تجربة معقدة قد تتضمن تأثيرات غير متوقعة تستدعي المزيد من البحث لفهم الآليات العميقة التي تحكم استجابة الجسم.