الخميس 25 ابريل 2024
الرئيسية - أخبار اليمن - صنعاء القديمة: نموذج للعمارة الخضراء
صنعاء القديمة: نموذج للعمارة الخضراء
صنعاء القديمة: نموذج للعمارة الخضراء
الساعة 08:27 صباحاً (محمد الحكيمي)

في العام 1972، قال الأديب والمخرج السنيمائي الإيطالي، بيير باولو بازوليني، أنه «من الناحية المعمارية، اليمن هو أجمل بلد في العالم. وصنعاء هي البندقية على الرمال». تبدو كلمات بازوليني أفضل وصف يمكن ان تجسده عبارة عن الفن المعماري اليمني القديم في العصر الحديث، وتحديداً عمارة مدينة سام، أو التي عرفها الجميع باسم مدينة صنعاء القديمة.

وفي العام 1986، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلم “اليونسكو” مدينة صنعاء القديمة، ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، واختارتها باعتبارها “تمثل تحفة عبقرية خلاقة من صُنع الإنسان”. وإحدى القيم الإنسانية الهامة والمشتركة، سواء في تطور الهندسة المعمارية أو التقنية، أو الفنون الأثرية، أو تخطيط المدن، أو تصميم المناظر الطبيعية.



وطبقا لموقع مركز التراث العالمي التابع لليونسكو، بنيت مدينة صنعاء في واد جبلي يرتفع الى 2200 متر عن سطح البحر. وأصبحت مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة.

وتحولت المدينة في القرنين السابع والثامن الى مركز هام لنشر الإسلام، فحافظت على تراث ديني وسياسي يتجلى في 106 من المساجد، و21 حماماً، وحوالي 6,500 ألاف منزل طيني داخل مدينة دمجت الطبيعة بالبيئة العمرانية، وهي تعود الى ما قبل القرن الحادي عشر. أما المساكن البرجية المتعددة الطبقات ومنازل الآجر القديمة فهي تزيد الموقع جمالاً.

العمارة اليمنية المتقدمة بيئيا

تعد العمارة اليمنية بمدينة صنعاء القديمة جزءً أصيلاً من التراث العالمي الإنساني، الذي تم الحفاظ عليه، وقد تميزت صنعاء، بنمط عمراني متفرد تمخض عنه نسيج عضوي لمدينة نتج عنها تراث عمراني كان له القدرة على تلبية كافة متطلبات واحتياجات قاطنيها بما في ذلك المتطلبات البيئية.

وتفيد دراسة علمية، نشرتها مجلة جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء، في اغسطس/آب 2010، بعنوان “التراث العمراني البيئي لمدينة صنعاء القديمة”. أن طريقة بناء مدينة صنعاء القديمة أوجدت معالجات معمارية وتخطيطية أدت إلى جعل المدينة القديمة وكأنها كائن حي يأخذ من بيئته ويعطيها دون ضرر أو ضرار.

وقد تشكلت مجموعاتها السكنية من ساحات وبساتين ومقاشم وشوارع وحارات تجانست فيما بينها. وقد كان للمسجد الدور المسيطر عليها والمنظم لها حتى على المستوى البيئي. بما في ذلك الاستهلاك الجيد للمياه وإعادة تدويرها.

  منازل جاذبة لحركة الشمس والهواء:

ووفقاً لتلك الدراسة التي أعدها الباحثان: الدكتور عبد المنطلب محمد علي، أستاذ العمارة والتحكم البيئي، بجامعة آسيوط، والباحثة سميرة صالح الشاوش، المدرس المساعد بكلية الهندسة جامعة صنعاء؛ اعتمد قدامى المعماريين اليمنيين في تشكيل وبناء مدينة صنعاء القديمة، على أسس ومبادئ بيئية وظيفية وتقنيات محددة تراعي البيئة على نحو مستدام ومدهش، أهمها التوجه المعماري للانفتاح إلى الخارج بدلا عن الداخل.

وبحسب الدراسة، فقد اعتمد قدامى المعماريين اليمنيين طريقة بناء منازل صنعاء، على أسلوب البناء العمودي بارتفاع من 4-6 طوابق مدمجة بالشكل المكعب.

كما ان قدامى المعماريين اعتمدوا على توجيه الفضاءات لبيوت صنعاء القديمة بشكل مدهش. بحيث أنها تتبع حركة الشمس والرياح للحصول على الإضاءة الجيدة والتهوية المطلوبة.

ووفقاً للدراسة تبين ان معظم منازل صنعاء القديمة مبنية باتجاه الجنوب، من أجل جذب أكبر كمية ممكنة من الاشعاع الشمسي خلال فترة الشتاء.

أقدم نموذج للعمارة الخضراء

قبل أكثر من 1000 سنة، سبقت مدينة صنعاء القديمة، معظم مدن العالم في تقديم نموذج العمارة الخضراء في مبانيها البالغ عددها 6,500 ألاف منزل، والتي شيدت بمواد طبيعية محلية من الحجر والطين والطوب والخشب ومادة النورة، وهي مواد انتجتها الطبيعة وغير ملوثة للبيئة، حتى في حال هدم المنزل فإنها لن تكون مضرة بالبيئة أو الصحة.

وبحسب دراسة (عبدالمنطلب، سمبرة، 2010) شيدت منازل صنعاء القديمة قبل قرون، وفق أسس علمية في التصميم البيئي، بحيث تقاوم تأثيرات المناخ والعزل الحراري وعوامل التعرية، وتؤمن المتانة والثبات للمباني. وتكمن الميزة الفريدة في تصميم المنازل بأنها صممت كي تتبع حركة الشمس والهواء للحصول على اضاءة وتهوية طبيعية.

كما أن طريقة التشييد ركزت بشكل تام على إيجاد فضاءات ومساحات خضراء واسعة في معظم أطراف حارات المدينة ووسطها. ووفقاً لأحد المصادر تبلغ عدد الحارات في مدينة صنعاء القديمة قرابة 69 حارة.

وتبيّن دراسة (عبدالمنطلب، وسميرة، 2010)، أن صنعاء القديمة محاطة بمساحات وفضاءات خضراء من بساتين ومقاشم وحدائق على منوال فريد ومتقدم للغاية، حيث تبين بالمسح الميداني أن المساحات الخضراء في صنعاء القديمة تشكل نسبة خمس 1/5 اجمالي مساحة المدينة القديمة. حيث يوجد لكل حي/حارة مساحة خضراء واسعة تخصها.

كانت لهذه المساحات الخضراء في صنعاء القديمة وظائف بيئية واقتصادية، فهي تعمل على تنقية الهواء والأوكسجين، وتخفيف درجة الحرارة، وتبريد الطقس، ورفع نسبة الرطوبة، وامتصاص اشعة الشمس المباشرة.

كما أن هذه البساتين والمقاشم والحدائق شكلت فضاءات لزراعة كافة أنواع الخضروات التي يحتاجها سكان كل حي. وتفيد الوثائق التاريخية أن سكان الحارات في صنعاء كانوا يزرعون الخضروات التي يحتاجونها للغذاء من خلال هذه البساتين او المقاشم.

وقد اعتمد بناء صنعاء، على إيجاد هذه الفضاءات الخضراء في أطراف الحارات ووسطها، كما جاءت الساحات والطرقات والأزقة التي أوجبتها الضرورة والحاجة للحركة والربط من ناحية، والإضاءة والتهوية من ناحية أخرى.

وطبقاً للمصادر، شكلت المقاشم عبارة عن متنفس ومصدر لزراعة بعض الخضروات البسيطة التي يحتاجها سكان كل حي في المدينة؛ حيث يطل بعض المساكن على هذه المقاشم أو البساتين، وهي تعد من أجمل فنون العمارة الخضراء في الحارات.

ويوجد في كل حارة بستان أو مقشامة، ويبلغ حوالي عدد البساتين الموجودة في مدينة صنعاء القديمة قرابة 40 بستان ومقشامة. وبحسب الدراسة كانت هذه البساتين تؤمن الاكتفاء او الاحتياج الذاتي من الخضروات التي يحتاجها كل سكان الحي.

تصميم مدينة يراعي البيئة

في العام 2013، أشارت دراسة هندسية صدرت عن مجلة جامعة دمشق، بعنوان “الفكر التصميمي لعمارة السكن في صنعاء بين التقليد والمعاصرة”، أعدها الأستاذ الدكتور محمد العلفي وآخرون، أنه عند دراسة المناطق السكنية في مدينة صنعاء القديمة وجد أنها استمدت خصائصها من طابع المكان والأرض التي توجد فيها للاستفادة من المواد المتاحة بالموقع بطريقة تستجيب لمحددات الموقع وظروفه البيئية.

في حين تشير دراسة (عبدالمنطلب، وسميرة 2010) ان مدينة صنعاء القديمة اعتمدت على تقنية رائعة للتصريف البيئي الملائم للمياه الناتجة عن المباني السكنية، والمباني العامة، ومياه الصرف الصحي، وكذلك المياه الناتجة عن المساجد. وما هو هام انها اعتمدت على استخدام مواد البناء المحلي لذات المنطقة بحيث تتوافق مع البيئة.

وتقول الدراسة، ان الوضع الراهن لملامح الفكر البيئي الموجود بمدينة صنعاء القديمة، يعكس قدرة التراث الذي عمل ولا زال يعمل على تحقيق كافة متطلبات ساكنيه، والتركيز على تفنيد تلك الملامح المتميزة والتي تعتبر جزءً هاماً من تراثه العمراني.

صنعاء القديمة أكثر تقدماً من الحديثة

أن مدينة صنعاء القديمة ما زالت تحوي العديد من الملامح والفكر البيئي بمفردات تخطيطية وتصميمية يمكن دراستها وتطويرها وتطبيقها على العمارة الحديثة، وقد سبقت بذلك مدن العالم عبر تحقيقها لتلك التطبيقات البيئية بعض ما يعرف في وقتنا الحالي بمبادئ العمارة الخضراء.

اليوم، من الواضح جداً، أن معظم المهندسين المعماريين في اليمن، فشلوا في تأصيل الأساليب المعمارية التي تتميز بها العمارة اليمنية القديمة، وتحديداً مدينة صنعاء القديمة، ومدينة شبام حضرموت، عند تخطيط العمارة الحديثة، ولم يتمكنوا من الاستفادة من الأصالة المعمارية ومن الوظائف البيئية الهندسية للمباني أو حتى تطوير تقنياتها.

 

فبمجرد النظر لشكل مدينتي صنعاء القديمة وصنعاء الحديثة، تجد أن الأخيرة مدينة مشوهة، وبلا هوية أو تراث معماري. وبلا مساحات خضراء. وبدون فكر بيئي يراعي متطلبات السكان.

وبحسب دراسة (العلفي وآخرون، 2013) فإن غالبية المساكن اليمنية المعاصرة لم تسهم تماماً في الرد على احتياجات السكان الحالية، بسبب أن معظم تصاميمها جاءت بصورة غير متناسبة مع الجانب الثقافي المتمثل بالسلوك الإنساني للمجتمع اليمني وعاداته وتقاليده، نظراً إلى تجاهل معظم المعماريين اليمنيين تلك الأمور عند الدراسة والتقييم، فضلاً عن ظهور مشكلات أخرى بيئية، واقتصادية واجتماعية، مرتبطة بالناحيتين المعمارية والعمرانية.

إن معظم المباني السكنية الحديثة، التي شيدت خلال السنوات الأخيرة، استلهمت تصاميم هندسية تحاكي نمط البناء في دول المنطقة والجوار كالبناء الأردني والخليجي، وهي لا توفر تراعي مسألة التوسع والزيادة السكانية، فبدلاً من الاخذ باسلوب البناء العمودي لتقليل مساحة الارض، يلجئ المعماريون وشركات المقاولات الى التوسع على حساب الاراضي الزراعية الخصبة. كما أنهم لا يراعون أسس علم “التصميم البيئي”. ولا حتى الحفاظ على هوية العمارة اليمنية.

لقد تخلى المعماريين المحليين عن تأصيل التراث المعماري اليمني الفريد والزاخر منذ القدم. وهذا ما يفسر بالضبط سبب تردي جودة الحياة البيئية والعمرانية في صنعاء الحديثة وكافة مدن البلاد على حد سواء.

حلول يجب مراعاتها في العمارة اليمنية:

إن مدينة صنعاء القديمة تحوي العديد من الملامح والفكر البيئي بمفردات تخطيطية وتصميمية يمكن دراستها وتطويرها وتطبيقها بالعمارة الحديثة، وقد سبقت بذلك عبر تحقيقها لتلك التطبيقات البيئية بعض ما يعرف في عصرنا الحالي بمبادئ العمارة الخضراء.

* نقلا عن موقع " حلم أخضر"


آخر الأخبار