الثلاثاء 22 ابريل 2025
الحوثي واحتكار اليمن!
الساعة 06:55 مساءً
عزالدين سعيد الاصبحي عزالدين سعيد الاصبحي

تعود الأحداث في اليمن إلى واجهة الأخبار المتداولة، ويعود مصطلح الحوثية إلى دائرة السؤال، وماذا يجري في أقصى الجزيرة العربية هناك. ويمكن القول إن خلاف الحوثي في الأساس هو مع اليمنيين أولًا وأخيراً، وليس كما يريد أن يسوقه بسردية أنه ممثل للأمة العربية والإسلامية في مواجهة الهيمنة الأميركية... لذا ستنقشع غمة التدخلات الأميركية، بحسب ما سيفضي إليه ملف المفاوضات الأميركية الإيرانية، وخروج منظومة الحوثي بما لا يهدد الملاحة الدولية.

وكل الصراع الإقليمي والدولي يجري بحثه في روما أو طهران والرياض ومسقط، وبعيداً عن اليمنيين، وسيجد الجميع نقاط توافق حسب المصالح الممكنة، وستبقى بعد ذلك المشكلة اليمنية بتعقيداتها الحقيقية، وأهمها اختطاف الحركة المتمردة العاصمة اليمنية، وتدمير مؤسسات الدولة فيها، بدعوى أنها تقيم دولة الاصطفاء الإلهي.

وسنجد أنفسنا نعيد القول الذي لم يسمعه الحوثي، وهو أن أولى الخطوات لإيجاد مخرج سريع هي أن الحوثي يجب أن يقتنع أنه مجرد بشر، وليس كما يرى هو وأتباعه أنه "القرآن الناطق". وأن التنظيم الذي يقوده يجب أن يبقى في دائرة التعدد السياسي المتعارف عليه، وليس جهازاً أمنياً محتكراً للحقيقة وحاميها على الأرض، وأن أتباعه مجاهدون ضد الكفار في كل ربوع اليمن.

مشكلة اليمنيين مع الحوثي هي في جوهر الفكرة للمشروع العنصري الذي يقسم البشر بتراتبية فاشية معلنة، وليس في شيء آخر.

وللذين يناصرون الحوثي دون إدراك، عليهم أن يقفوا بجدية حول جوهر فكرة الحركة ورؤيتها، منذ الوثيقة الفكرية الزيدية التي وضعت للحركة، ونشرت في 2012 بوضوح بعد سنوات من التواري،
وفيها إعلان احتكار الجماعة لتمثيل الزيدية بل وتطييفها، وفيها كانت أولى خطوات إقصاء كل ممثلي الزيدية التقليدية، ثم ذهابنا إلى تكريس ممنهج للمذهبية التي بقيت غير معترف بها في الصراع اليمني، وصارت للأسف الآن عنوان صنعاء الرئيسي، وصولاً لترسيخ أن ذلك حق إلهي.

صمت الناس حينها عما بدا أنه مجرد إعلان للحركة، في وثيقة فكرية تصادر جزءاً من الجغرافيا، وتعلن احتكار التمثيل الزيدي سياسياً. فهل يستمر الصمت، ونحن في خطوة صار الحوثي يعلنها بوضوح: أنه حركة تمثل كل اليمن وتختزل كل الوطن بعناصره؟ وهذه مشكلة اليمنيين مع الحوثي، الذي ألغى فكرة الدولة المدنية، بل وفكرة الدولة عامة، واختزل الطائفة بشخصه "كرمز مقدس"، واختزل اليمن بجماعة أنصاره، التي اقتصرت الآن على هيكل الميليشيات القائم على منهج عسكري مغلق، لا حزب سياسي مفتوح.

الذهاب إلى القول إنه لا نقاش في هذا الأمر لأن الحوثي يعلن أنه يناصر غزة، وعلى الكل أن يرضخ ويسلم، وإلا فكل معارض للحوثية هو صهيوني، نوع من الممارسة الفاشية التي تخدم العدو فقط، وتدمر مستقبل اليمن.

اليمنيون لا يختلفون على القضية الفلسطينية العادلة ونصرتها، وآخر من التحق بركب النضال من أجل فلسطين من اليمنيين هم الحوثيون، ولا يزال وضعهم عند كل اليمنيين في محل شك من هذه القضية، لأن جوهر الفكرة لديهم يرفض النظرة القومية والعروبة، ناهيك عن الموقف الحدي من كل أشكال الحداثة، ودولة المواطنة ونظرة المساواة والقبول بالآخر.

فالحركة ترى بنفسها مشروعاً اصطفائياً يقوم على استمرار الحرب مع الغير، (هذا الغير في الأساس هو بقية الأطياف اليمنية أولاً، ثم كفار الكون لاحقاً). نحن أمام فكر داعش تماماً بشكل آخر.

إن واقع الأحداث الجارية في اليمن مؤلم، لأنها تدمر البلد الكبير، ليس في منشآته والبنى التحتية وحسب، ولكن في تعزيز التشظي المجتمعي، الذي تكرسه الجماعة المتمردة في صنعاء. فمشاريع التقسيم المناطقي بدأت مع اختطاف صنعاء من الجماعة لأكثر من عقد من الزمان الآن، وفكرة تعزيز الصراع المذهبي لم تكن أبداً في خارطة المواجهات قبل تمكن الجماعة من مؤسسات عاصمة الدولة وأجهزتها الأمنية.

وستبقى أمامنا نقطتان رئيستان، الأولى حول تصور الحركة الوطنية اليمنية لليمن لليوم الأول لصنعاء ولليمن بعد الحوثي (وهذا بحاجة إلى وقفة لاحقة). والنقطة الثانية هي تأكد حقيقة أن المشاريع الضيقة التي تريد احتكار اليمنيين برؤية ضيقة، وجماعة محدودة، هي الخطر الحقيقي على وحدة اليمن، وعلى دولة المواطنة.
ويكفي أن نرى أن عشر سنوات من ترسيخ جماعة الحوثي لمشروع الهيمنة على صنعاء، ومأسسة الطائفية، أفرزت كل أفكار التعصب المناطقي والمذهبي، والذهاب بعيداً في تمزيق المجتمع.

إن مواجهة هذا الواقع الصعب، ليس بسرعة الحسم على الأرض وتوحيد القرار العسكري والاقتصادي وحسب، ولكن أيضاً بوضع مشروع دولة المواطنة في مقدمة كل قول لبلد الحكمة والإيمان.
 

عن "النهار" اللبنانية


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار