الثلاثاء 22 ابريل 2025
شجرة الغريب… حين ينهار الجذر وينتحب الجذع
الساعة 11:27 صباحاً
فتحي أبو النصر فتحي أبو النصر

 

تعز، المحافظة التي لطالما كانت مرادفا للمقاومة والكرامة، والكبرياء ، سقط اليوم جزء من روحها. شجرة الغريب، تلك العجوز المهيبة التي شاخت معنا، ولم تهزمها قرون ولا جفاف ولا طلقات، انحنى أحد فروعها الضخمة وسقط، كأنها لم تعد تحتمل ما يجري حولها. كأنها قالت: لقد فاض بي، ولن أظل واقفة كشاهدة زور على هذا الخراب المستمر.

طبعا ليست مجرد شجرة. شجرة الغريب هي زمن ممتد، ذاكرة مظللة بعبق التاريخ، مجلس ظل لأحاديث الجدات وضحكات الأطفال، ورفيف أوراقها جزء من موسيقى المحافظة.

على إن سقوطها لا يُفسر فقط بانهيار عضوي، بل بانهيار منظومة كاملة من الإهمال والتهميش والاستغفال المتعمد للطبيعة والتاريخ في آن.

لأربعة أعوام، كنت أكتب تحت عنوان "شجرة الغريب" عمودي الأسبوعي في صحيفة "الأهالي"، ولم يكن ذلك ترفا أدبيا أو سياسيا أو استعارة سهلة. كنت أكتب وأنا أستظل بظلها الرمزي، وأقاوم، مثلها، الرياح العاتية من الجهل، من الفساد، من الميلشيا، من كل ما يريدنا أن ننسى من نكون. واليوم، حين رأيت أحد فروعها الضخمة يتهاوى، دمعت عيني ليس فقط على ما فقدناه من جسد الشجرة، بل على ما فقدناه من معاني.

نعم ،كيف سُمح لهذا الرمز أن ينهار؟ أين سلطات تعز؟ أين وزارة الزراعة؟ أين أولئك المتشدقون بالهوية والحفاظ على التراث؟ شجرة عمرها مئات السنين تنهار دون صيانة، دون تقدير، دون أن تُعامل كما تُعامل الآثار الوجدانية المقدسة!

على إن ما جرى ليس صدفة طبيعية، بل جريمة ضد الذاكرة، ضد البيئة، ضد تعز ذاتها.

نعم، نحن نعيش زمنا تنهار فيه الأشجار كما تنهار القيم. تنهار السيقان كما تنهار الدولة. تنهار الأغصان كما ينهار الحياء. شجرة الغريب لم تسقط اليوم وحدها، بل سقط معها ما تبقى من وهم أننا نعيش في دولة مسؤولة، أو في مجتمع يدرك قيمة الرموز. والمرعب أن من يتصدرون المشهد لا يحزنون على الشجرة، بل قد يفرحون بصورتهم إلى جوار جذعها الساقط، ليروجوا لذات العبث الذي أسقطها.

اليوم نحن مدعوون للحزن، لكن أيضا للغضب. غضب واعٍ، ليس غوغائيا، بل يطالب بالتحقيق، بالمحاسبة، بوضع استراتيجية لحماية ما تبقى من شجر اليمن، من ذاكرته، من تاريخه الحي. يجب أن تُعامل شجرة الغريب كما تُعامل دار الحجر، أو معابد مأرب، أو جدران زبيد. هي ليست مجرد نبات، بل وطن صغير على هيئة ظل.

ولئن كانت الأشجار تُبكى، فإن شجرة الغريب تستحق حدادا عاما في قلوب كل من لا يزال يؤمن أن الوطن يبدأ من جذر، ومن أغصان لا تُهمل، ومن ظل لا يُباع.

ألا يا شجرة الغريب، سامحينا، فقد خذلناك نحن، لا المطر.!


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار