الجمعة 29 مارس 2024
جازم الحروي - صانع تحوّل
الساعة 05:29 مساءً
عادل الأحمدي عادل الأحمدي

 

بالعلم والمال يبني الناس مجدَهمُ

لم يُبنَ مجد على جهلٍ وإقلالِ

ولقد جمع المناضل اليمني الكبير جازم الحروي بين الوعي والبذل، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يقدمه مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، بكل اعتزاز ليكون عنواناً يستدل به كل الأحرار الباحثين عن مقاعد في قلوب الناس وذاكرة التاريخ ورضوان الله.

لقد صنع الحروي تحولاً مفصلياً في مجرى النضال الوطني في شمال اليمن، وانتقل به من طور المراهقة الثورية إلى طور النضج الحاسم، ولقد ضرب بسلوكه مثالاً عظيماً للثائر المتسلح بالأخلاق العالية ونكران الذات.

لقد كان وعيه متقداً بالحرية، وقلبه مسلحاً بالجسارة، ولقد كانت نفسه آية في السخاء والبذل. ومؤكد أنه لا يصنع الانفراجة التاريخية لأي شعب من الشعوب، إلا من كان في نفسه سخاء، وفي طبعه طيبة، وفي وعده وفاء، وفي قلبه إيمان راسخ بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. من هنا كان ابن تعز جازم الحروي "صانع تحول".

والحقيقة أن هذه القصة المودعة بين غلافي هذا الكتاب الشيق، لا تحكي سيرة نضال الثائر الحروي فحسب، بل تحكي أيضا قصة رفاقه الذين عاصروه، أبي الأحرار محمد محمود الزبيري وأستاذ الثوار أحمد محمد النعمان وأسماء أخرى على هذا المستوى الرفيع والمكانة العالية في القلوب، رحمهم الله رحمة الأبرار.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا هو باكورة أعمال المؤرخ الواعد بلال محمود الطيب، هذا الشاب المتميز الذي عرف طريقه مبكرا ولم يتشتت في أودية الاهتمام الكتابي. وجد في نفسه شغفاً آسراً بقراءة تاريخ الحرية.. اقتنى الكتب، قرأ وقارن، وتشبع ثم كتب، وظل يجوّد أداءه بحرصٍ كبيرٍ على التطور وتواضعٍ جم.

اقلام كثيرة تملأ أيامنا ضجيجاً وغداً سيطمرها النسيان لأنها شتتت جهدها ولم تتفرس في عوامل قوة أمتها ولا في سبل إدارة موهبتها الذاتية إدارة سليمة، فلم تختط لها نهجاً واضحاً للكتابة، وقبل ذلك لم تتسلح بقضية تستمد منها حرارة النضال ومتعة التعب. أقلام كثيرة سينساها الناس وسيبقى بلال الطيب وأمثاله من الشباب المثابرين الذين يتركون للناس ما ينفع، ولا يبقى إلا ما ينفع الناس.

وجدير هنا التنويه إلى أن لدى الكاتب والمؤرخ الدؤوب الأستاذ بلال محمود الطيب، كتباً جاهزة للذهاب إلى المطبعة منها ثلاثة كتيبات عن شخصيات وطنية وأدبية، وكتابان آخران يستعرض فيهما المتاهة والدوامة التاريخية التي وقع فيها اليمنيون لقرون عديدة بسبب نظرية الإمامة السلالية الكهنوتية التي تحاول عبثاً اليوم أن تغتال حاضرنا وأن تسمم مستقبلنا، وأقول "تحاول عبثاً" لأن ثمة جيلاً يمنياً عرف طريقه جيداً لاسترداد مجده.. جيل يتلمس خطى الأحرار ويثمّن تضحياتهم ويسجلها للتاريخ، ومنهم بلال، القادم من أعالي جبل صبر يستشرف خارطة الوجع اليمني زمانا ومكانا، ويوثق للأجيال ما غاب عن أنظارهم وما خفي عن أذهانهم.

إلى ذلك فإن هذا الكتاب هو بالنسبة لنا في مركز نشوان الحميري، واحد من أجمل مفردات الاحتفاء بالعيد السبتمبري في نسخته ال58، وهو أيضا ثامن اصدارات المركز، وسط آمال لتزويد المكتبة بكل نافع ومفيد.

وبالعودة الى محور الكتاب الشيخ المناضل جازم الحروي فإن القيمة العظيمة لهذا الإصدار تتمثل في أننا حالياً نحتاج إلى هذا النموذج من الرجال وذلك من أجل اختصار المسافة إلى يوم الخلاص بعد أن نغصت مخلفات الكهنوت حياتنا من جديد، لكنها، ومن حيث لا تقصد، استفزّت فينا كل بواعث البحث عن ذاتنا وكينونتنا كيمنيين.

يحتاج اليمن إلى هذا النوع العظيم من الرجال، والذي يتجسد في الحروي، ذلك أن الشح والهلع والجشع أعمى النفوس، وظهر من يجامل الظلم حفاظاً على مال أو عقار، بل ظهر من يترزق ويحلب القضية ويريد أن يثرى على عاتقها، كما ظهر أيضاً من يملك الجود والتضحية ولا يملك الوعي ولا القضية. لهذا تأتي أهمية جازم الحروي في هذا المنعطف، وفي كل منعطف.

ومؤكد أن سيَر الأحرار تصنع الأحرار، وتراجم العباقرة تُلهم العباقرة، وحكايات الفداء والتضحية والنبل والكرم تلهم كل حر متوثب للقيام بدور عظيم.

ختاما فإن هذا الكتاب، علاوة على ما سبق، هو نوع من العرفان والتقدير لروح الأستاذ المناضل جازم الحروي رحمه الله. والعرفان أحد دلائل التعافي المجتمعي، وأولى خطوات التصحيح، وهو سمة لا يفوز بها إلا الأجيال المقبلة على زمان أجمل.

20 سبتمبر 2020


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار