الخميس 28 مارس 2024
الزيف المُقدس
الساعة 09:01 صباحاً
بلال الطيب بلال الطيب

خُضوع العبيد لا قوة السادة هو من يصنع الطغيان، ويبقى الدين المُزيف والخرافة أحد أبرز أسباب ذلك الخضوع، وبالعلم والمعرفة يتحقق الانعتاق من نير تلك العبودية الطوعية، وإذا كان «هوميروس» في «الإلياذة» قد أدرك مُبكراً بأن لا خير في تعدُّد الأسياد، وقال مقولته التوحيدية: «كفى سيد واحد، وملك واحد»، فإن العقلية الشرقية جعلت من الملوك آلهة، وحينما سُئل «فرعون» - في ذات الفترة - عن من ألهه؟ كان جوابه: «عبيدي!!».

العقلية الشرقية تنقاد للعبودية بسهولة، وتاريخ «الإمامة الزيدية» تجسيد لتلك الحقيقة لا أكثر، ولم تكن اليمن سوى مَحطة أخيرة للفاشلين من أدعيائها؛ لما وفرته من بيئة خصبة لذلك الانقياد، وهذا يحيى بن الحسين حينما فشل بتأسيس دولته في «طبرستان»؛ توجه إلى اليمن، وكذلك فعل القاسم العياني حينما فشل في إقامة دولته في «بلاد خثعم»، وأبو الفتح الديلمي حينما فشل في تأسيس دولته في «بلاد الديلم»، وبين هذا وذاك ثمة أدعياء كثر توافدوا إلى هذا البلد المضياف، كـ القاسم الزيدي، وأبو هاشم الحسني «جد الحمزات»، والمُعيد لدين الله الناعطي، والأخير لم أجد له اسماً، ومن يدري؛ ربما يكون بعض هؤلاء أو جلهم قد ادعوا نسبهم «العلوي» طمعاً بالإمامة.

وكما ألحق بعض المؤرخين والنسابة «الحمزات» بالفرس، هناك من شكك بنسب القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية»، رغم أنَّ الأخير كما يقول غالبية مؤرخي الإمامة من نسل «الهادي» يحيى، إلا أنَّ من يدعي أنهم «بنو عمومته» وقفوا في الغالب ضده؛ والسبب عدم اعترافهم بقرابته؛ عمل طوال فترة حكمه على مُحاربتهم، ورد عليهم بكتابٍ أسماه: «بغية المريد فيمن ولده السيد علي بن محمد بن علي بن الرشيد»، وفيه قال: «فإنه لمَّا طرق سمعي من أبناء السادة الأعلام، أهل الوقت يسأل عن نسب بعض أهله من عصبته ونسبه بصيغة الاستنكار، علمت يقيناً أنَّه قد جهل النسب من نفسه وأهله، فضلاً عن غيره».

اللافت في الأمر، أنَّ بعض النسابة رجحوا أنَّ أصول الإمام القاسم غير عربية، مُستدلين بملامحه البعيدة الشبه عن «بني عمومته»، وذكر أحدهم أنَّ جده قدم إلى «بني مديخة»، وتزوج من أسرة يمنية من «الشرف»، وأنَّه استغل جهلهم وتشيعهم، وأدعى نسبه ذاك.

وسواء كان هؤلاء الأدعياء «علويين» أو غير ذلك؛ فمن الذي أعطاهم الحق بأن يكونوا أوصياء على الإسلام والمسلمين، وأن يتسيدوا على عباد الله، ويخالفوا دينه الحنيف، ذلك الدين الذي نصره العبيد، وخذله السادة، وقام أول ما قام على المساواة والعدالة، وعلى إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

لمَّا نزلت آية: «وأنذر عشيرتك الأقربين» قام رسول الله «ص» يُذَكر فقال: «يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار.. إني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها - أي سأصلها - ببلالها»، وقال: «يا بني هاشم لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم، وتأتوني أنتم بأحسابكم وأنسابكم»، وقال: «يا بنى هاشم لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا بنى هاشم إن أوليائى منكم المتقون».

النبي الأعظم وأجداده لم يكونوا طلاب سيادة أو ملك، وتحفظ لنا كتب التاريخ ذلك الحوار الذي دار بين «هرقل» و«أبو سفيان»، بعد أن استدعى الأخير من غزة إلى بيت المقدس، وقال له: «لعله يطلب ـ يقصد رسول الله ـ مُلكا أو شَرفاً»، ثم عاد واستفسر: «هل كان لاحد من أهل بيته قبله؟» - يقصد: هل كان أجداده طُلاب سيادة أو ملك؟ - فأجاب «كبير قريش» بالنفي.

قد يرد بعض المُتحذلقين بأن محمد «ص» أكد على حق «العلويين» بالحكم والولاية بقوله: «إن الإمامة في قريش»، و«لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان»، ونقول لهؤلاء حاشا على رسول الإنسانية، وعدو التعصب أن يقول مثل هذا الكلام، وهو الذي انتقل إلى جوار مُرسله ولم يوص، تاركاً لأصحابه حرية اختيار من يحكمهم، على اعتبار أنَّ السياسة ومغباتها اجتهاد بشري، كيف لا؟ وهو من خاطبهم ذات يوم بـ «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وأنهى دوره بقوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم ‏وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً».

باحثون كثر تصدوا لذلك الفكر المُنحرف، وعروه بموضوعية، ويعد الباحث محمد عبدالله زبارة - «علوي» النسب - أبرزهم، نسف خرافة الاصطفاء الإلهي، واعتبرها امتداداً لما قاله إبليس: «أنا خير ‏منه»، وأكد أنَّ نظرية اختيار الحاكم في الإسلام قد شُوِّهت منذ وقتٍ مُبكر، ففي الوقت الذي ‏أرادها الله سبحانه أن تكون محط اهتمام المسلمين بشكل عام؛ إذا بها توصد بقفل ‏«القرشية» الذي جاء بالدولتين «الأموية»، ثم «العباسية»، وذَكَّر بأن الرسول «ص» لم يوص لأحد من بعده بالخلافة، وكذلك فعل علي بن أبي طالب الذي لم يوص للحسن، ‏وقال لأنصاره: «لم يوص من هو خير مني».

«زبارة» عبر عن خجله من ‏بني قومه الذين يدَّعون أنهم يمتلكون حق احتكار العلم والحكم، واصفاً فكرهم بأنَّه نوع من الإفلاس، وتوظيف لطموح سياسي يُكذَبُ فيه على الله ورسوله، واصفاً «آل البيت» بالمصطلح السياسي، مؤكداً: «جميعنا ينتسب إلى هذا الدين، وإلى بيت النبوة، وإلى بيت ‏الإسلام، وإلى بيت محمد وإلى أتباع محمد، وإلى آل محمد، وإلى أهل محمد كرسول ونبي..».

وسبق لنشوان الحميري أن أكد تلك الحقيقة قبل ثمانية قرون، قائلاً:
آل النبي هم أتباع ملته
من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن من آله إلا قرابته
صلي المصلي على الطاغي أبي لهب
وفي المقابل كان الأحرار الأوائل حكماء في الرد على هؤلاء الأدعياء، لم يجابهوا التعصب بتعصب مُضاد؛ بل حاربوا الإمامة كنظام حكم كهنوتي، يرتكز على «السادة» و«العبيد»، ويقوم على التعصب السلالي، والمذهبي، والقبلي، وهي أمور لا تتفق قطعاً مع كرامة الإنسان كإنسان، ولا مع رخاء الشعوب واستقرارها، ولا مع صيرورة الحضارة وتقدمها، ومن هذا المدخل تسللوا، وأكدوا أن الإنسانية لم تشهد في تاريخها الطويل نظاماً بشعاً مثله، ولم ينكب به شعب من الشعوب سوانا.

وهذا المناضل محسن العيني حمل قبل «62» عاماً الجميع مسؤولية ما وصلنا إليه، قائلاً: «السادة - يقصد العلويين - ليسوا كلهم مسئولين عن هذه الأوضاع، ولا عن هذه الامتيازات، أنتم يا قبائل اليمن ورجاله، أنتم الذين كنتم تبحثون عن السيد بحثاً، وتفتشون عنه في كل مكان، وتضعونه في الصدارة من مجالسكم، وتحرضونه على البطالة والتعطل، وتتلمسون عنده البركات، وتغرونه على الدجل والتضليل..».

وأختم بما قاله القاضي عبدالرحمن الإرياني ناصحاً شعبه المسكين:
خدعتكم لصوص عدنان باسم
الدين غشا وخدعة وكهانه
ليس في الدين سيدٌ ومسودٌ
فاقرؤوه وحققوا قرآنه
إن دين الإسلام دين التساوي
ليس فيه تعاظم واستهانه


إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
آخر الأخبار