(كنت أتمني)
2015/06/22
الساعة 12:00 صباحاً
بوابتي كتابات
د. عبدالعزيز المقالح
كنت أتمنى على الأخوة المشاركين في محادثات "جنيف" أن يقوموا -قبل أن يعقدوا اجتماعاتهم- بجولة ولو سريعة في ربوع سويسرا، وأن يوقظوا في أنفسهم أكبر كمية من الوعي لكي يتمكنوا من استيعاب تجربة هذا البلد الجميل النظيف والهادئ والأنيق، وأن يدخلوا لدقائق معدودة في محاولة للمقارنة أو المقاربة بين واقعنا وواقع البلد الذي تم اختياره دولياً ليكون مكاناً للقاء الذي يترتب عليه الكثير. سويسرا بلد في قلب أوروبا تقريباً، يتألف سكانه من ثلاث قوميات ألمانية وفرنسية وإيطالية، ويتكلم أبناؤه لغاتهم الثلاث ويتعايشون وكأنهم أبناء عائلة واحدة لا يعرفون الخلافات السياسية ولا مكان بينهم للتنافس على مناصب الدولة التي يتهرب منها كثير منهم ويرون فيها عائقاً للحرية والإبداع والتفكير المستقل. وكل ذلك يشكل نقيضاً تاماً لما نحن عليه حيث تصل عندنا شهوة السلطة أو بالأحرى التسلط إلى درجة الاقتتال ويبدو لي أحياناً أن صراعات السلطة والتسلط هي التي خلقت الفروق القائمة لا بيننا وبين سويسرا، بل بيننا وبين سائر شعوب العالم. وتمنيت أيضاً لو أن الأخوة المشاركين في لقاء جنيف، وهم مفوضون ولا شك من قياداتهم إن لم يكونوا هم من القيادات، تمنيت لو توقفوا دقائق معدودة ليتساءلوا في ما بينهم: لماذا ذلك هو حال سويسرا وهذا هو حالنا؟ ولماذا يعيش المواطن السويسري هذا المستوى الرفيع من العيش الكريم والرغيد، ويتمتع بكل هذا الأمن والاستقرار والتطور ومثيله المواطن اليمني يعاني من مرارة العيش وفقدان الأمن والاستقرار، يتقدم خطوة إلى المستقبل ويتراجع ألف خطوة إلى الخلف؟ البشر هم البشر والزمن هو الزمن، لكن العقول غير العقول، والأهداف غير الأهداف، ولا مكان في ذلك البلد الوديع الجميل للمغامرين وتجار الحروب وأصحاب الطموحات المنحرفة التي تريد الوصول إلى الحكم ولو على جماجم كل الشعب وتدمير كل ما على أرضه من حياة وأحياء. وحبذا لو تساءل المشاركون وهم ينظرون إلى بحيرة جنيف من غرف الفنادق التي يقيمون فيها؟ لماذا نتقاتل؟ ولماذا يفتك بنا الآخرون؟ ثم ما الهدف ومن المستفيد؟ وأي سلطة أو تسلط بعد أن يكون البلد قد تحول إلى مقابر وملاجئ؟! دائماً الشعوب التي تمتلك عقولاً واعية وضمائر حية لا تقع في المحظور، ولا ترمي بنفسها في النار لكي تحقق رغبات بعض أبنائها أو تغيظ أعدائها ومنافسيها، دائماً الشعوب الواعية الحكيمة لا تقبل أن تصل الخلافات بين أبنائها إلى حد الاقتتال وتدمير كل جسور التواصل، وإذا كانت بلادنا -قبل الحرب اللعينة- قد واجهت تركة ثقيلة من الخلافات الحادة والانقسامات السياسية فإنها الآن تواجه أثقل تركة في تاريخها القديم والحديث. كما أن مأساة النازحين من بعض المدن وبعض الأرياف التي تعرضت وما تزال تتعرض للقصف اليومي تشكّل حالة تؤرق الضمائر وتدعو إلى الإسراع في توفير الإمكانات الضرورية من أكل وشرب ومأوى، وكيف يمكن إنقاذ هؤلاء أو إسعافهم في مناخ الحصار الشامل واقتراب خزينة الدولة من الإفلاس؟ ذلك بعض ما ينبغي أن يتذكره ويشعر به المشاركون في محادثات جنيف وأن يتذكروا معه ما كانت قد أجمعت عليه مكوناتهم السياسية من الإشراع في بناء الدولة المدنية العادلة الديمقراطية التي تشارك فيها كل القوى الفاعلة في الساحة دون إقصاء واستبعاد، كما لا بديل عن المصالحة والتسامح اللذين هما عنوان المرحلة القادمة سوى الحرب الأهلية والجوع والتشرد والقضاء على ما تبقى من مشاعر الألفة الشعبية وعرى المواطنة المتساوية. لقد زرت سويسرا مرتين رجعت من الأولى وقد انسلخت من الانتماء الحزبي، ورجعت من الزيارة الثانية وقد قررت أن أعلن الحرب على السياسة التي تعود إلى الحرب والاقتتال على الطريقة اليمنية القبلية القروية البدوية، فهل أتوقع شيئاً من التحول في مواقف بعض الأخوة المشاركين في محادثات جنيف بعد أن يكتشفوا الفارق الذي يمكن حسابه بالسنوات الضوئية بين بلادنا وسويسرا؟