الاثنين 21 ابريل 2025
الرئيسية - كتابات - أحرف مبكية لأم "مكلومة" فقدت إبنها وابنيّ شقيقتها في تفجير المسجد
أحرف مبكية لأم "مكلومة" فقدت إبنها وابنيّ شقيقتها في تفجير المسجد
كوثر
الساعة 08:11 مساءً

بقلم الإعلامية كوثر الأربش

نشرت الكاتبة الصحفية كوثر الأربش والدة الشهيد محمد العيسى وخالة الشهيدين عبدالجليل ومحمد الأربش بيانا تعبر فيه عن مشاعرها تجاه فقد ابنها وعن رأيها الشخصي تجاه مثل هذه الأزمات. وفي بيانها تحدثت الأربش عن طفولة ابنها الراحل وتميزه الدراسي وأخلاقه، قبل أن تؤكد أننا جميعا مستهدفون في لحمتنا، في نسيجنا، في تماسكنا، في قناعتنا التامة أننا وطن واحد، مشددة على ضرورة أن لا ننجر لأتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء مجددة رفضها لأي حشد شعبي ولأي عسكرة خارج إطار الدولة. وبدأت الأربش بيانها بجملة وداعية لابنها ثم بالآية الكريمة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون). وقالت بعدها في نص بيانها: "كتب ابني محمد العيسى معرفاً عن نفسـه في برنامج الإنستغرام: "يوما ما سيرى الأعمى بصمتي، وسيسمع الأصم بسيرتي". وهذا فعلاً ما حدث، رأى الأعمى بصمته، وسمع الأصم بآخر ما كتب من سيرته. لقد تبرع لحماية المصلين، اندفع تجاه إرهابي مطوق بحزام ناسف بدلا من أن يفرّ، فعل هذا لسبب بسيط ومعقد في نفس الوقت: (حماية الأبرياء، إيقاف هذه الوحوش الشرسة التي لا تستحق أن تكون جماداً حتى). فعل هذا ابني محمد؛ لأنه يحمل في عقله فكرا مغايراً، معنىً تطبيقياً وحقيقياً لمفهوم الإنسانية. الجميع رأى بصمته، رأوه مقداما لا فاراً، رأوا اللحظة الأخيرة والانتقالية من الحياة إلى الموت، رأوا جسده محمولا على يد المسعفين، ورأوه أيضاً ملفعاً بالبياض، ذاهبا لربه في عرشه الدائم والأزلي ليسكن إلى الأبد في قناديله المليئة بالضوء، تاركا خلفه فعلاً لن ينساه مئات المصلين، ملايين المواطنين، بل الكون كله. لكن أحدا لا يعرف سيرة الشهيد ابني محمد كما أعرفها أنا. أنا أمه. أمه التي ستبذل جهدها، عمرها، وما تبقى من كلمات لم تقلها كي تخبر الآخرين عن سيرته للناس جميعا. لقد كان ولداً خفيفا، لطيفا، أبيضَ والأهم من هذا كله: نقياً. لم يكن مثل بقية الأطفال يطلب الحلوى والآيسكريم، كان الخبز طعامه، هكذا وبكل بساطه: خبزا جافا. ما زلت أذكر ما حدث في بيت جده، فقدته وبدأت في البحث عنه، وجدته قرب صندوق يجمع فيه جده بقايا الخبز، وجدته هناك نائما، نائما وعلى فمه بقايا قضمة وابتسامة رضا واسعة كالفراغ. هكذا كان ولدا قنوعا خفيفا. كان حين يجوع يأكل خبزا، وحين يغالبه النوم ينام على الكنبة أو جانب طاولة الطعام؛ وكأنه بهذا التصرف الطفولي والعفوي يريد أن يخبرني أن علاقته بدنيانا علاقة عابرة، سريعة، قصيرة. كبر محمد، وكبرت معه أحلامه وطموحاته، كبرت معه الأسئلة. لم يكن أحدا حوله يشبع فضوله. وفي نفس الوقت كان محبا للناس، كان خادمهم، والمباشرَ في المناسبات الدينية والاجتماعية وقبل كل هذا مبتسماً دوماً ودائماً وإلى الأبد في وجوه العابرين صغاراً أو كباراً. محمد، ذو النسبة المئوية الكاملة والتفوق المدرسي. ذو البساطة والتلقائية والحميمية في التعامل الإنساني مع كل من حوله. محمد ذو الروح الوثابة للتألق، للقيام بشيء ما؛ لترك أثرٍ يدل على الطريق. محمد مثالنا للوطن الشاب، المستلهم لماضيه، المتمكن من حاضره ليعيشه بكل ثوانيه، المتطلع لغده بكل أمنياته الخضراء. ما كان محمد طائفياً أو إقصائياً أو نزّاعاً للفرقة. قَـَتَله الطائفيون والإقصائيون والنزاعون للفرقة. ذهب عارياً إلا من دمه، ليرينا أن الأبطال ليسوا بالضرورة أن يكون كباراً، الصغار يفعلون الأشياء العظيمة أيضاً. وبعد كل هذا الحزن يبقى هناك صوت للحقيقة بدواخلنا يجب أن نفهمه جميعاً: كلنا مستهدفون في لحمتنا، في نسيجنا، في تماسكنا، في قناعتنا التامة أننا وطن واحد، من قطيفه شرقاً، لرفحائه شمالاً، لجدته غرباً ولنجرانه جنوباً. نحن مستهدفون كي لا نتذكر بـأننا جميعاً مسلمون نشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأننا نصلي تجاه ذات القبلة، وأننا نرى الاختلاف ثراء وزيادة لا قتل وتدمير وأحزمة ناسفه. إن ما أريد أن أقوله لكم جميعاً بالكثير من الصدق وبالكثير من الحب: 1- أن لا ننجر لأتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء. 2- لا، لأي حشد شعبي ولأي عسكرة خارج إطار الدولة. 3- بيوتنا الداخلية. أفكارنا، موروثنا، ثقافتنا. كل هذا علينا مراجعته وختمت الأربش بيانها بقولها: "أعزي أمّ قاتل ابني وأعظم لها الأجر" مضيفة: "لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأن على معرفة تامة أن قلبك الآن كقلبي؛ حزين وباكٍ".

آخر الأخبار