الخميس 2 مايو 2024
الرئيسية - كتابات - إحياء الشيعة ليوم الغدير في ميزان الشرع
إحياء الشيعة ليوم الغدير في ميزان الشرع
غالب القرشي
الساعة 01:04 مساءً (غالب القرشي)

الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد:

فإنّ ما أودّ أن أقف معه اليوم دقائق معدودة (موضوع تضخيم الشيعة للغدير) يوافق اليوم الأَحد 18 من ذي الحجة الحرام (شهر الحج الأعظم) وقد كان في هذا اليوم في السنة العاشرة من الهجرة النبوية على صاحبها السلام.



حج النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – حجته الأولى والأخيرة بعد الهجرة حيث صدَّه قومه ومنعوه حتى تم فتح مكة في السنة الثامنة في 22 رمضان، ولم يحُجّ عامه ذك ولا في السنة التي بعدها حيث كانت غزوة تبوك، ولعل من أسباب التأخير انتظار اكتمال الجزيرة إسلاماً، فإن سورة "النصر" نزلت بعد فتح مكة وفيها (ورأيتَ النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً).

بدأت الأفواج تفد من كل أرجاء الجزيرة العربية حتى اكتملت متتابعةً لا متزامنة، حتى نوديَ في آخر السنة العاشرة في كل أقاليم الجزيرة إن رسول الله سيحج عامه هذا ورغّب الناسَ في الحج قاصداً، فقد كان موقناً بعد نزول سورة النصر أن أجله قد قرب، فهِم ذلك وفطِن الأذكياء من أصحابه كأبي بكر الذي بكى عند نزول السورة، فهِم أنها تنعي رسول الله لأن العرب تقول: "إذا تم شيء بـدأ نقصانه" وبنزول قول الله عزّ وجلّ: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) زاد اليقين بقرب أجل رسول الله. أكد ذلك في خطبة حجة الوداع حيث بيّن فيها أُموراً كثيرةٍ بيان مودِّع وقال: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، ولم يلقهم، حيث مات بعد ثلاثة أشهر.

أنهى حجته بالناس وبقي في مكة أياماً قليلة ثم رحل قافلاً إلى المدينة، حتى وصل إلى مكان قرب المدينة يقال له غدير خُم والغدير ماءٌ كان يقف السائرون عنده يستروحون ويتزوّدون بحاجتهم من الماء، وقف هنا ومعه المهاجرون والأنصار ومن حجّ معه من شمال الجزيرة الغربي، وهنا وقف رسول الله وخطب خطبةً عظيمة كأنها استكمال لخطبة حجة الوداع في عرفة مبيّناً أحكاماً، وأَرشد ووعظ ووصّى من يأتي بعده بأهل بيته، وهي عادة كل من يشعر بقرب أجله أن يوصي بأهله وصيّة رعاية ومراعاة، ووصى في خطَبه التالية بعد وصوله المدينة حتى مات، وصى بأهل الذمة وهم غير المسلمين الذين يدفعون الجزية مقابل ما يدفعه المسلم من زكاة بل أقل، ومقابل الحماية والرعاية والأمن وما يتمتع به من حقوق مدنية وخدمية وإعفائه من الدفاع الوطني وأوصى بالنساء خيراً.

ما خُص به عليٌّ في الغدير

قال صلى الله عليه وسلم – في خطبته في هذا المكان قولاً صحيحاً في علي – رضي الله عنه – غير صريح بل ولا دالٍ على ما ادعاه الشيعة من أنه أوصى لعلي بالخلافة بعده حيث بيّن شيئاً من فضائله ودفع عنه كيد من كاد له في ولايته على همدان صنعاء مخالفة بعضهم، واتهموه بشيء غير صحيح فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: (ألستم تعلمون أني أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال من كنت مولاه فإن هذا - يعني علياً - مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وليس في هذا ذكرٌ للخليفة ولا للخلافة، مثل هذا ما قاله في أبي بكر، وما قاله في الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، وقالها في علي أيضاً وهو معنى يعم كل أصحاب رسول الله، وكل مؤمن صادق.

وهذه من جملة ما ورد في علي، كما ورد في غيره من الخلفاء الثلاثة وكثير من الصحابة الكرام كقوله في أبي بكر: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي هل أنتم تاركوا لي صاحبي" حينما غاضبه عمر، وقوله: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فلما قدَّموا عمر قال: يأبى الله ذلك والمؤمنون، وقال في أبي بكر وعمر مجتمعَين: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، وقال في عمر أقوالاً كثيرة كذلك، وفي عثمان أقوالاً كذلك، وفي أمين هذه الأُمة أبي عبيدة وفي معاذ بن جبل وغيرهم، ولا مجال لذكر هذه الأقوال كلها في هذه العجالة إنما هي وقفة سريعة مع ما تعلق به الشيعة واعتبروه وصية وتلك هي أفهامهم لم يوافقهم عليها أحد من أهل السنة ولا حتى الطوائف الأخرى من المسلمين.

والخلاصة:

1) إن من يعتقد أن الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم – أوصى لأحد بالخلافة من بعده لا يملك دليلاً قاطعاً ناهضاً إنما هي تأويلات لنصوص جاءت في غير هذا الموضوع.

2) لو وازنا بين ما جاء في شأن أبي بكر وعلي لوجدنا أن نصوصاً وإشاراتٍ تكاد تثبت الخلافة لأبى بكر، لكن السُّنة تحاشوا أن يدّعوا ذلك، وجعلوها شورى من أول يوم ويظل التشريع كذلك، وإن تُركتْ الشورى منذ زمن طويل وتحولت إلى استبداد.

3) مسائل السياسة والإدارة والعلاقات الدولية، هي من الأمور العادية لا العقائدية ولا العبادية، تخضع للمصلحة الحقيقية التي تعم الأمة، وقد وصل العالم اليوم إلى تشريعات في هذا الشأن جنبت الكثيرين الوقوع في الصراع الدائم على السلطة، علينا أن نزنها بميزان الشرع وأن نستفيد منها.


آخر الأخبار