الاثنين 21 ابريل 2025
الرئيسية - كتابات - لماذا الشرق الأوسط وليس مكاناً آخر؟
لماذا الشرق الأوسط وليس مكاناً آخر؟
أيمـن الـحـمـاد
الساعة 07:49 مساءً

بقلم / أيمـن الـحـمـاد

    المتمعن في خريطة العالم يصل إلى نتيجة مفادها أن الشرق الأوسط يعيش حالة تفردية تجعلنا نتساءل عن مسبباتها وتعليلاتها، فالاضطراب والفوضى غير المسبوقين يجعلان المنطقة من أشد المناطق توتراً وأكثرها توحشاً على الإطلاق.. يزيد على ذلك حالة الاستقطاب الهائلة التي تعانيها المنطقة من الدول الكبرى التي تتدخل في شؤونها، كما لو كانت تملك مجالاً مغناطيسياً قوياً أو جاذبية أكثر من أي منطقة أخرى حول العالم. في الشرق الأوسط أزمات ومشاكل كما في كل العالم، فهناك حروب إثنية ودينية وإرهاب وديكتاتوريات وتخلّف وأمية، بل إن قارة مثل أفريقيا لا ينافسها أحد في السيئات التي ذكرنا مسبقاً، فالقارة السوداء منسية ومسكونة بمصائب تحتم على الدول الفاعلة أن تتدخل وتعمل على إنقاذها من مشاكلها، لكنها لا تقوم بذلك ولا تفعل، إلا إذا أحسّت تلك الدول القوية أنها مهددة، فانتشار مرض إيبولا مثلاً في غرب أفريقيا استفز العالم أجمع؛ لأن المرض بلغ أوروبا وأميركا، فتنادت مراكز الأبحاث والمنظمات الصحية من أجل إيقاف زحف هذا المرض الشرس وهو ما حصل. إذاً فمنطلق التدخل هنا يتعلق بمدى انعكاس الضرر الحاصل في المنطقة على تلك الدول في المدى القريب والبعيد، وبما أن الشرق الأوسط موقع ثقل سياسي واقتصادي وحتى ثقافي، فإن الاستراتيجيات والخطط والروئ والدول تتنازعه وترهقه، فالجاذبية التي يملكها لا تجدها في قارة كأميركا الجنوبية أو أطراف آسيا مثلاً، كما أن الإرث الذي يحمله على المستوى الثقافي بما فيه الديني، يكاد يكون مقلقاً لباقي الدول التي تدرك التأثير الذي بلغته الحضارة الإسلامية التي اعتمدت التسامح والوسطية والاعتدال كمنهج حياة، فلم يكن الإسلام يوماً إلا حضارياً، لذا فإن إضعافه وتخفيف أثره وتشويهه من خلال مشروعات سياسية وثقافية يبدو أمراً واضحاً، فلماذا لا نسمع عن تقسيم الدول إلا في الشرق الأوسط؟ ثم إن الحجة التي يسوقها الغرب في هذا المشروع هو منع الاصطدام على أساس إثني وديني، لذا فإن فض هذا الاشتباك - كما يعتقد الغرب - لا يتم إلا باعتماد التقسيم كحل جراحي يقضي على هذا الشكل من أشكال الصراع. وفي الواقع أن مخططي هذه المشروعات بدءاً من برنارد لويس وحتى أصغر منتمٍ لمدرسته التفتيتية يدرك أيما إدراك أن الشرق الأوسط إنما كان مصدر سحره وإشعاعه هذا التنوّع والانسجام والتماهي والمساواة التي بلغت أوجها إبّان عصر النهضة الإسلامية والتي أنتجت مجتمعات مثقفة وواعية ومزدهرة ومنتجة ومتعايشة. إن قدر الشرق الأوسط أن يكون مصدراً لكل شيء تقريباً الدين والثروات والحضارات التي لا تنتهي بانتهاء البشر أو بتقادم الزمن، بل على العكس إنما تزداد تألقاً مع تقدم عمرها، لذا جاء أو جيء بمن يدمر تلك الحضارة ويسيء لها.
 

آخر الأخبار