لا يشكل الإسلاميون في الخليج العربي كتلة اجتماعية وثقافية متراصة ومتشابهة في كل شيء.. فهم أقرب إلى جماعات دعوية وسياسية تتداخل وتتشابه في بعض الأمور والقضايا، وتختلف عن بعضها البعض في أمور وقضايا أخرى. التيارات الإسلامية في الخليج، هي تيارات متعددة ومتباينة في آن، وذات أولويات متفاوتة. لذلك فإن التعامل معها بوصفها كتلة متراصة وواحدة في كل القضايا والموضوعات، يعد وفق المقاييس العلمية والمنهجية تجاوزا لحقائق الأمور ومعطيات الواقع.
على ضوء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الهائلة، التي جرت في كل دول منطقة الخليج العربي، بدأت حالة من القلق القيمي والهوياتي بالبروز في المشهد الخليجي؛ لأن مشروعات التحديث المتسارعة جلبت معها عمالة وافدة من كل دول العالم، بحيث أصبحت هذه العمالة في بعض دول الخليج أكثر بكثير من السكان الأصليين.
ومع هذا التباين والتفاوت في المواقف والقناعات، تتأكد حقيقة أن جميع التيارات الإسلامية في الخليج، ذات أجندة وأولويات متنوعة، تبعا لتباين أولوياتها وطبيعة تكوينها سواء أكان دعويا أم سياسيا أم شاملا.
وثمة محددات أو مداخل أساسية، تحدد وترسم صورة جماعات الإسلام السياسي لدى المواطن الخليجي. ولعل أهم هذه المداخل هي الأفكار التالية:
1 قلق الهوية:
على ضوء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الهائلة، التي جرت في كل دول منطقة الخليج العربي، بدأت حالة من القلق القيمي والهوياتي بالبروز في المشهد الخليجي؛ لأن مشروعات التحديث المتسارعة جلبت معها عمالة وافدة من كل دول العالم، بحيث أصبحت هذه العمالة في بعض دول الخليج أكثر بكثير من السكان الأصليين. ومن المؤكد أن هذه العمالة وكثافتها، تجلب معها أنماط حياة ومعيشة وسلوك اجتماعي، ليس بالضرورة منسجما مع السلوك الاجتماعي الخليجي.
وهذه الأنماط السلوكية والقيمية والعملية فرضت على المجتمعات الخليجية تحديات جديدة ليست معهودة في الاجتماع الخليجي.
كما أن انخراط أبناء المنطقة في مشروعات تعليمية وتقنية وتجارية هائلة، فرض على أبناء المدن الخليجية جملة من الأسئلة والتحديات.
وإن مجموع هذه الأسئلة والتحديات، فرض تحديات حقيقية يمكن تكثيفها بسؤال وقلق الهوية، النابع من طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وخياراتها المعيشية.
ولا ريب أن جماعات الإسلام السياسي في الخليج، تعتبر أن أهم التحديات التي تواجه المجتمعات الخليجية، هو سؤال الهوية؛ بحيث الثنائية الصارخة التي تتدخل في كل شؤون المجتمعات الخليجية.
ولكون السؤال المركزي الذي واجهته جماعات الإسلام السياسي، هو سؤال الهوية، فإن الطبع الذي يترتب لكل الجماعات التي تتشكل على قاعدة سؤال الهوية، أنها جماعات محافظة في طروحاتها الفكرية ومواقفها السياسية وطبيعة مقارباتها للشؤون الخليجية المتنوعة.
2 النقاء الأخلاقي:
حين التأمل في التكوين الشرعي والديني لأغلب جماعات الإسلام السياسي، سنرى أن هذه الجماعات، تولي أهمية خاصة في برنامجها وشعاراتها ومشروعاتها بقضية النقاء الأخلاقي، الذي يطهر المجتمع من كل أدران وأمراض التراجع الأخلاقي.
لذلك نتمكن من القول وبالذات الجماعات الدعوية، أنها جماعات تعطي أولوية أساسية في برامجها المرحلية للمسألة الأخلاقية. فهذه الجماعات معنية بمحاربة كل أشكال التسيب الأخلاقي والممارسات التي لا تنسجم ومقتضيات النقاء الأخلاقي.
كما أن هذه الجماعات تمتلك حساسية ثقافية واجتماعية من كل أشكال الاختراق ذات الطابع الأخلاقي. لذلك فهي جماعات أخلاقية، بمعنى ذات نزعة تطهرية، تحارب كل أشكال التسيب الأخلاقي، كما تحارب كل التصرفات الاجتماعية والفردية التي لا تتناغم والنقاء الأخلاقي.
لهذا فإن هذه الجماعات، تتصور أن النقاء الأخلاقي، لا يمكن إنجازه، إلا بالقضاء على كل أشكال الانحراف الأخلاقي.
3 محاربة الفساد:
لو تأملنا قليلا في طبيعة الاقتصادات الوطنية لدول الخليج العربي، لوجدنا أن الطبيعة الريعية لهذا الاقتصادات، تفسح المجال واسعا، لبعض الفساد المالي، لأن الدولة كجهاز بيروقراطي، يمتلك ميزانيات سنوية ضخمة، مع تراخ في مستوى الرقابة والمحاسبة. هذه الطريقة أي تراجع مستوى الرقابة والمحاسبة من جهة، مع وجود إمكانات مالية هائلة من جهة أخرى، يفسح المجال واسعا، للاستفادة الشخصية والأسرية من هذه الإمكانات المالية الضخمة.
لذلك نجد أن الشريحة الاجتماعية المستفيدة من إمكانات الدولة سواء بهذه الطريقة أو بطرق أخرى، واسعة. وغالبية الناس المتعاملة بهذه الإمكانات المالية، بوصفها استفادة تتجاوز حدود الضوابط الشرعية والأخلاقية في التعامل مع المال العام.
وعلى كل، فإن من المحددات الأساسية لجماعات الإسلام السياسي، هي قدرة هذه الجماعات على إيجاد الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، التي تحول دون التعامل السائب مع مال الدولة أو الإمكانات المالية الموجودة في مشروعاتها المتعددة.
لذلك فإن هذه الجماعات وهي تعمل على زيادة الضوابط السلوكية والأخلاقية، التي تمنع الاستفادة الشعواء من إمكانات الدولة، تشكل رافعة أخلاقية واجتماعية، تحول دون التسيب في التعامل مع الثروات والإمكانات المالية العامة.
وبالتالي فإن هذه الجماعات وبالذات على هذا الصعيد، تشكل بطريقة أو أخرى، ضرورة من ضرورات الأمن الاقتصادي والاجتماعي، التي تحافظ على ثروات الوطن، ولا تسمح بتبديدها أو التلاعب بها بعيدا عن الضوابط الأخلاقية والسلوكية.
لذلك فإن الجماعات وهي تعمل على صعيد محاربة الفساد في صورته الأولية، تعد ضرورة من ضرورة استقامة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلد.
أحسب أن هذه المحددات، تساهم في التعريف بدور بعض جماعات الإسلام السياسي، التي تحافظ على هوية الوطن أمام المتغيرات المتسارعة التي تجري على هذا الصعيد، كما أنها تشكل رافعة أخلاقية تحول دون التعدي على ممتلكات الحقل العام.
ووفق هذا النسق تشكل بعض هذه الجماعات، ضرورة من ضرورات الأمن الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج العربي.