السبت 20 ابريل 2024
الرئيسية - تقارير وحوارات - اليمنيون في مواجهة الموت وصراع المعيشة(تقرير)
اليمنيون في مواجهة الموت وصراع المعيشة(تقرير)
الساعة 07:59 مساءً (خـاص)

صراع مرير يخوضه المواطنون في عموم مناطق البلاد، لتأمين قوت أسرهم والحفاظ على البقاء أحياء بأبسط مقومات الحياة والمعيشة التي أصبحت ضربا من المستحيل.

 



وضعا مشلولا وهشا انتجه الصراع القائم، إذ يعيش المواطن أيامه مدركا مدى الوجع الذي ينتظره، بمناطق سيطرة الميلشيا الحوثية المتمردة وهي الأسواء، يقابلها على الجانب الآخر  يقف بالمثل المواطن تحت قلق المعيشة المضاعف وصعوبة الحال، نتيجة الطرف الآخر في مناطق سيطرة الشرعية التي تدير الدولة عاجزا وفاشلا على حساب كاهل المواطن المنهك والمثقل.

الكفاح على البقاء 

تقول أم أحمد إن الوضع أصبح لا يطاق وفوق طاقتنا، فهي أم لخمسة أولاد، توفي والدهم بفشل كلوي قبل عامين.

تعيش أم أحمد مع أطفالها - الذي يبلغ عمر أكبرهم 12 عاما فيما أصغرهم خمسة أعوام – في منزل بالإيجار وسط العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة ميلشيا الحوثي المتمردة.

امرأة وحيدة تعول أسرتها، معلمة حكومية، يفصلها عن راتبها الشهري الكامل نحو خمسة أعوام منذ انقلاب الميلشيا الحوثية، وليأتي من راتبها إلا ما ندر، نصف راتب لا ينفع غريق مثلها.

تختصر أم أحمد وهي المعلمة التي لم تنكسر أو تعجز قبل الحرب، كما يحصل لها الآن وأطفالها الخمسة، تختصر حديثها عن معاناتها بتنهيدة توضح حجم ومرارة ما صار عليه الحال.  

وبالمثل تعيش آلاف الأسر نفس المعاناة والألم، بل أكثر وابعد عوزا وضرارا، وبصور مختلفة المواجع والضائقة.

  

خطر انهيار العملة ..

في الوقت الذي تحاول الحكومة الشرعية تفعيل التصدير، يواجه الاقتصاد مضاعفة في التراجع، ومعه عملة البلاد، والتي تمر باستمرار الانهيار الكبير جراء الحرب الدائرة، ما يترتب عليه تهاوي إيرادات البلاد من النقد الأجنبي تهاوي تباعا احتياطي البنك المركزي.

بموازاة ذلك يعاني المواطنون في جميع أرجاء البلاد وضعا مأساويا متراكما منذ الحرب المدمرة التي بدأت نهاية عام 2014، بعد سيطرة ميلشيا الحوثي المتمردة على صنعاء ومؤسسات الدولة.

ومع هذا الانهيار، توقف تجار التجزئة للمواد الغذائية عن بيع السلع، حيث توقف التجار عن بيع القمح والأرز والسكر وزيوت الطبخ وجميع المنتجات المستوردة، كما تواجه البلاد أزمة وقود خانقة.

وقتها حذّرت الأمم المتحدة، من مجاعة حقيقية تهدد اليمن على خلفية تهاوي الريال، وقالت في تقرير إن "تكلفة المواد الغذائية الأساسية باتت في غير متناول العديد من الناس".

وفي وقت سابق ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير له أن ما يقرب من 18 مليون يمني لا يعرفون من أين تأتي وجباتهم المقبلة، في حين يعيش أكثر من 8 ملايين منهم في جوع شديد، ويعتمدون كلياً على المساعدات الغذائية الخارجية.

وأضاف برنامج الأمم المتحدة أن "اليمنيين ينامون على وضع بائس، ويستيقظون على وضع أكثر بؤساً، مع تدهور متسارع للعملة المحلية، مقابل العملات الأجنبية. تُوشك تحذيرات الأمم المتحدة من مجاعة واسعة أن تصبح واقعاً تصعب السيطرة عليه".

ويواجه اليمنيون أزمات معيشية متفاقمة تهدّد حياتهم حيث تسببت القفزات الأخيرة للدولار أمام العملة الوطنية في ارتفاع أسعار السلع بمعدلات قياسية، مما يدفع نحو أزمة غذاء وعجز شريحة واسعة من السكان عن تحمل كلفة الطعام، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مليوني شخص خطر المجاعة، حسب تقرير للأمم المتحدة.

وانعكس التهاوي المتسارع للريال اليمني في ارتفاع لأسعار السلع والمواد الغذائية بمعدلات قياسية، مما ينذر بكارثة اقتصادية وبتفاقم معاناة اليمنيين. 

وقدر خبراء اقتصاد أن أسعار السلع ارتفعت بمعدل 500% نتيجة انقلاب ميلشيا الحوثي المتمردة منذ أكثر من 3 سنوات، فيما لا يزال نحو مليون موظف حكومي بدون رواتب منذ خمسة أعوام.

ويشهد الريال اليمني انخفاضا حادا وسريعا في قيمته أمام الدولار، وهبطت أسعار العملة المحلية بنحو حاد مقابل العملات الأجنبية، منذ نهاية أغسطس/آب، بعدما وصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 620 ريالا يمنيا في عدن، مقارنة بنحو 513 ريالا منتصف الشهر الذي يسبقه، وشهد سعر الصرف استقرارا "خادعا" منذ مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، قبل أن يعود للارتفاع منذ بداية الأسبوع الجاري.

وأكد مكتب الأمم المتحدة باليمن، مؤخراً، أنه: "مع استمرار انخفاض قيمة الريال اليمني، قد يعاني 3.5 ملايين شخص إضافي من انعدام الأمن الغذائي، وقد يواجه مليونا شخص آخر خطرًا متزايدًا بالمجاعة".

إيرادات ميلشيا الحوثي القاتلة للشعب.. 

خلال العام الحالي ارتفعت إيرادات مليشيا الحوثي المتمردة المدعومة من إيران، بشكل كبير، على حساب المواطن المنهك والمسحوق ناتج مضاعفة الميلشيا الحوثي  الجبايات والإتاوات المفروضة على المواطنين والتجار في مناطق سيطرتها.

ووصلت خلال العام الإيرادات الضريبية والجمركية والزكوية لميلشيا الحوثي المتمردة، بنسبة 500 في المائة، مع تكرار الأزمات المفتعلة في المشتقات النفطية وانتعاش السوق السوداء لبيع المشتقات النفطية والغاز المنزلي بأسعار مضاعفة تدر مبالغ خيالية على خزائن المليشيا وقياداتها.

ونفذت ميلشيا الحوثي المتمردة خلال العام الحالي حملات محمومة لجمع جبايات وإتاوات مفروضة في مناطق سيطرتها مستغلة المناسبات، مثل: يوم الغدير، ويوم الصرخة، والمولد النبوي، وغيرها من المناسبات الطائفية أو تلك التي استحدثتها اقتداءً بملالي طهران، ناهيك عن أنها نفذت حملات لجمع أموال لدعم حزب الله اللبناني.

ففي مطلع الشهر الماضي أقرت مليشيا الحوثي رفع نسبة الرسوم الضريبية على التجار والمواطنين بما يعادل 100%، فضلاً عن رفع قيمة التعريفة الجمركية، وفرض ضرائب غير قانونية على التجار والشركات الخاصة ومالكي محطات الوقود، في إطار حملتها المسعورة لنهب أموال اليمنيين.

ووسعت ميلشيا الحوثي من منافذها الجمركية المستحدثة في مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها، بهدف فرض رسوم مزدوجة على البضائع والسلع التجارية على الرغم من دفعها مسبقاً في المنافذ الرئيسية البرية والبحرية والجوية؛ الأمر الذي يتسبب برفع قيمتها النهائية، حيث فرضت المليشيا رسوماً جمركية على الشاحنات المحملة بالبضائع الداخلة إلى مناطق سيطرتها بواقع مليوني ريال على كل شاحنة.

لتورد الميلشيا هذه المبالغ المحصلة من الجبايات إلى البنك المركزي الخاضع لسيطرتها، من ثم القيام بعملية السطو على خزائن البنك وإفراغها أولاً بأول ليتم التصرف فيها من قبل قيادات المليشيا أو توريدها إلى خزائن خاصة بها في مدينة صعدة مقر زعيمها.

بالمقابل أنشأت الميلشيا الحوثية ميزانية رديفة خاصة بها بحيث تدعي التقشف على الأجهزة الحكومية وتمتنع عن صرف مرتبات الموظفين لأكثر من ثلاث سنوات بحجة نقل البنك المركزي إلى عدن، في وقت تزيد فيه إيرادات الميلشيا أضعاف المبلغ اللازم لدفع مرتبات الموظفين وتسيير أجهزة الدولة.

عواقب كارثية تنتظر اليمن، نتيجة  الإجراءات المتخذة من قِبل مليشيا الحوثي على المستويين الاقتصادي والإنساني، حيث تعمل الميلشيا وبشكل ممنهج على تجويع الناس والمتاجرة بمعاناتهم في مقابل زيادة ثراء مشرفيها وقياداتها، ما يعمل على إطالة أمد الحرب وتفاقم معاناة المواطنين.

استيراد دون تصدير..

كشف تقرير رسمي حديث ارتفاع فاتورة استيراد القمح في اليمن إلى أكثر من 700 مليون دولار سنويًا، بالتزامن مع أكبر انخفاض في إنتاج الحبوب تشهده البلاد، إذ تراجع إنتاجها بنسبة 130% خلال السنوات الأربع الماضية.

وأظهر التقرير الصادر عن قطاع الدراسات الاستراتيجية الحكومي في وزارة التخطيط، تدهور إنتاج الحبوب ومنها القمح تدريجياً من متوسط 250 ألف طن شهرياً عام 2012 إلى 95 ألف طن شهرياً عام 2018.

وحسب تقارير رسمية، تُقدر الاحتياجات المحلية من واردات القمح والدقيق بحوالى 350 ألف طن شهرياً.

ويستورد اليمن معظم احتياجاته من القمح من أستراليا وأميركا وروسيا، وأصبحت فاتورة استيراده تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد والعملة الوطنية المتهاوية، إذ يصل عدد مستوردي القمح النشطين إلى حوالى ثمانية مستوردين، ما يعكس حالة الاحتكار التي تسود سوق استيراده، حسب بيانات غير رسمية.

وتقدّر الفجوة الغذائية في القمح بنحو 3.4 ملايين طن سنوياً، وتوضح بيانات التجارة الخارجية أن واردات هذه السلعة شكلت المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة عام 2018.

تراجع حاد في الاقتصاد

ويقدر انهيار الاقتصاد في البلاد، نتيجة انقلاب ميلشيا الحوثي المتمردة، بنسبة تفوق النصف وهو ما أكده البنك الدولي في تقرير له بوقت سابق "تدهور الاقتصاد بشكل حاد، إذ بلغ الانكماش التقديري نحو 50% تقريبا، وتضاءلت فرص العمل بشكل ملحوظ".

وأوضح البنك في تقرير له أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لليمن تراجع في عام 2018 مع انخفاض مقداره 2.6% مقارنة مع 5.9% في عام 2017.

ووفقا للبنك الدولي، تظهر الآثار الاقتصادية السلبية والتشوهات ذات الصلة تأثيرا سلبيا متساويا لاستجابة العرض وجانب الطلب، وهذ الأخير مدفوع إلى حد كبير بخفض دخل الأسرة.

وأكد أن التوقعات الاقتصادية في عام 2018 وما بعده سوف تعتمد بشكل حاسم على التحسينات السريعة في الوضع السياسي والأمني، وعلى ما إذا كانت نهاية النزاع المستمر ستسمح بإعادة بناء الاقتصاد والنسيج الاجتماعي.

وقال التقرير: "إذا كان من الممكن احتواء العنف في أواخر عام 2018، فمن المتوقع أن يبدأ الناتج المحلي الإجمالي في الانتعاش في عام 2019، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي من رقمين، التضخم يشبه الانخفاض في مثل هذه الحالة حيث ستزداد الإمدادات".

وستسمح استعادة المزيد من الأوضاع السلمية باستئناف إنتاج المواد الهيدروكربونية، الأمر الذي سيساعد بدوره على استعادة الإيرادات الحكومية وميزان المدفوعات.

ووفقا للبنك الدولي، أظهرت البيانات المالية التقديرية أن مستوى تحصيل الإيرادات العامة تراجع من ما يقارب 24% من الناتج المحلي الإجمالي من قبل الانقلاب الحوثي، إلى ما يقدر بـ8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، من النفط وجمع الضرائب.

 

صناعة الموت عبر الدواء المغشوش

ترتكب مليشيا الحوثي المتمردة انتهاكات جسيمة بحق المواطنين ستؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض، حيث أقرت الميلشيا أدوية بديلة هي مسكنات غير معروفة المصدر ولا تعالج الداء.

وأغرقت المليشيا الحوثية السوق بالأدوية البديلة المغشوشة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم لهثاً وراء المال الذي تتم جبايته عينياً أو مالياً تحت مسميات مختلفة ولو على حساب صحة المواطنين مع العمل على محاربة الشركات العالمية الأصلية في السوق اليمنية.

وفي حين يتم فتح الكثير من الوكالات التابعة لموالين للميلشيا الحوثية أو ممن يدّعون صلتهم السلالية بزعيمها، عملها ادخال أدوية رديئة وأقل جودة من الأصناف المشابهة لها وهي تضر بالصحة والاقتصاد المحلي، فضلاً عن قيام هيئة الحوثيين بابتزاز وكلاء وتجار الأدوية المعتمدين.

وتعمد الهيئة الحوثية إلى تسجيل الصنف الدوائي لديها مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل إلى مئات الملايين وبعد توريد المنتج الدوائي تقوم وزارة الصحة بدورها بممارسة عمليات الابتزاز الممنهجة على تاجر الصنف أو الوكالة وإذا لم يستجب تقوم الوزارة بمصادرته من السوق ومن ثم بيعه في مناطق وصيدليات تابعة للميليشيات، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار هذه الشركة أو الوكالة، بغض النظر عن قيمة منتجها وأهميته.

وتعارض الميليشيا الحوثية وضع تسعيرة ثابتة ومنطقية تراعي من خلالها الأوضاع الاقتصادية لليمنيين، حيث تقوم بعمل تسعيرة وهمية لكسب تعاطف المواطن باتجاه ملاك الصيدليات في حين أنه لا توجد أي تسعيرة حقيقية للأدوية لأن ذلك -حسب قول العامل- سيقلص من عملية ابتزاز الميلشيا لهذا القطاع الحيوي.

وبحسب مصادر طبية يتم إعداد جميع قوائم الأدوية حسب مزاج الميلشيا واحتياجات الجبهات وليس حسب احتياجات المواطنين، كما يتهمون الهيئة الحوثية بالابتزاز عند تسجيل ومنح تصاريح الاستيراد والمرور، وكذا آلية تسجيل الأصناف الدوائية والرقابة على الأسواق.

وحسب إحصائيات الهيئة العليا للأدوية الخاضعة للحوثيين فإن فاتورة شراء الأدوية في عام 2018 من الخارج بلغت نحو 65 مليار ريال (الدولار بنحو 550 ريالاً)، حيث يتم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية من أكثر 20 دولة.

وفي إحصاء لنقابة ملاك الصيادلة فإن هناك 5 آلاف صيدلية رسمية من إجمالي 18 ألف صيدلية تعمل في اليمن ويصل عدد الأدوية المسجلة في اليمن إلى 20 ألف صنف، ومردّ هذا العدد الضخم من المنتجات في اليمن إلى التساهل في التسجيل وعدم وجود معايير تضبط هذه الفوضى واستشراء الفساد بل والجشع وإغراق السوق بمئات البدائل المماثلة لدواء واحد في السوق اليمنية، وفق ما يقول الصيادلة.

ووفق منظمة الصحة العالمية فإن «16.4 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة لضمان حصولهم على خدمات الرعاية الصحية في اليمن، إذ تعمل 50% من المرافق الصحية فقط، كما تواجه نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات والأطقم الطبية وانعدام النفقات والميزانيات التشغيلية».

وتشهد سوق الدواء في اليمن غلاءً فاحشاً بسبب الإتاوات والجبايات التي تفرضها ميليشيات الحوثي بدءاً من رسوم الجمرك مروراً بإتاوات مكاتب الصحة الخاضعة للجماعة وجبايات الوزارة الحوثية في صنعاء وابتزاز الضرائب ونهب المشرفين الذين يتناوبون على نهب هذا القطاع المهم.


آخر الأخبار