2015/05/21
هل نحن نتحدث عن "العراق
بقلم: عبد الباري عطوان
هل يعقل ان يحتاج النازحون من الرمادي الى كفيل كشرط لدخول بغداد للنجاة بأرواحهم؟ هل نحن نتحدث عن "العراق الجديد" ام عن دولة خليجية؟ انه عار الطائفية وحكمها.. وعار امريكا التي رسختها ولا تسألونا لماذا تتساقط المدن العراقية امام "الدولة الاسلامية" وقواتها بعد اليوم
تجنبت الكتابة عن العراق لاكثر من ثماني سنوات تقريبا بعد ان ذابت هويته العربية الجامعة، وحلت محلها الهويات الطائف ية التهميشية والاقصادية، ورفضت كل العروض للظهور في القنوات العراقية الحكومية، او الخاصة وما اكثرها، الا فيما ندر، ولكنني شعرت بصدمة كبرى عندما شاهدت آلاف الاسر العراقية النازحة من مدينة الرمادي بعد استيلاء قوات “الدولة الاسلامية” عليها، وانسحاب، او هروب جنود الجيش العراقي منها، وتركها لمصيرها، تعيش واطفالها في العراء تحت شمس حارقة، وظروف معيشية صعبة، بسبب رفض قوات الامن العراقية السماح لها بدخول بغداد العاصمة الا في حضور “كفيل”.
هل نحن نتحدث هنا عن العراق العربي المسلم الذي فتح ابوابه، وقلوب اهله، لجميع المستضعفين على وجه الخليقة، ودون تأشيرات دخول لآلاف السنيت، ام عن دولة خليجية تتبنى نظام الكفيل البغيض، المدان، من قبل كل القوانين الوضعية والالهية، والمنظمات الانسانية، هل نحن نتحدث عن بغداد عاصمة العباسيين التي اختلطت فيها المذاهب والاديان والاعراق، وقدمت لنا كبار العلماء والادباء والشعراء، ام نتحدث عن جوهانسبرغ في زمن النظام العنصري في جنوب افريقيا؟
***
حكومة السيد حيدر العبادي جاءت الى السلطة تحت عنوان واحد، وهو تمثيلها لكل العراقيين ايا كانت قوميتهم او مذهبهم، ولكن عندما يحتاج ابن الرمادي الى كفيل واذن من هذه الحكومة وقوات امنها لدخول عاصمته، ومهما كانت الحجج والذرائع، فهذا يؤكد ان هذه الحكومة اكثر عنصرية وتمييزا وطائفية في تاريخ العراق.
لم يبق الا ان تفتح حكومة السيد العبادي “سفارات” او “قنصليات” في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك لمنح تأشيرات دخول للعراقيين الراغبين في السفر الى العاصمة بغداد بعد توفر الشروط اللازمة، مثل شرط الكفيل او امتلاك مبالغ كافية من الاموال، تماما مثل السفارات العربية والاوروبية.
الحكومة العراقية تتحجج بالاسباب الامنية، وتقول انها تخشى من وجود ارهابيين مندسين في اوساط النازحين يتبعون “الدولة الاسلامية”، او تنظيم “القاعدة” يقدمون على زرع المتفجرات لاحقا، وهذه مخاوف مشروعة، ولكن هل الاطفال والنساء الذين يتراكمون في حالة من الخوف والهلع على ابواب العاصمة بغداد يمكن ان يكونوا ارهابيين؟ وهل احتاجت قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي الى كفلاء او تأشيرات دخول عندما دخلت الى تكريت وبيجي والفلوجة، وهل ستحتاج اليها وهي تحتشد على ابواب مدينة الرمادي استعدادا لاقتحامها؟
هناك اكثر من نصف مليون رجل امن وشرطة يتبعون الحكومة العراقية، وفاذا كان هؤلاء الذين تدربوا على ايدي القوات الامريكية، ويملكون في حوزتهم احدث اجهزة الكشف عن المتفجرات، لا يستطيعون السماح لهؤلاء النازحين بالدخول الى عاصمة بلادهم بسرعة بعد التأكد من عدم وجود اسلحة لديهم، وفحص هوياتهم بطريقة ذكية وانسانية، فما فائدة هؤلاء وانفاق المليارات على تدريبهم وتسليحهم؟
وربما يجادل البعض بان وجود الكفيل ضروري من اجل تأمين السكن والمعيشة لهؤلاء النازحين، ونحن نرد على هؤلاء بالقول ان تأمين السكن والطعام والطبابة لهؤلاء هو من صميم واجبات الحكومة العراقية وليس “الكفلاء”، اللهم الا اذا كانت هذه الحكومة لا تعتبر هؤلاء من رعاياها، وهي التي تملك مئات المليارات تدخل خزينتها من عوائد النفط، وتتعرض نسبة كبيرة منها للنهب والسرقة في وضح النهار.
ملايين العراقيين لجأوا الى الاردن في ذروة التفجيرات الدموية بين عامي 2007 ـ 2008 وقبلها للنجاة بأرواحهم، ولم تشترط شرطة الحدود الاردنية عليهم احضار كفيل للسماح لهم بالدخول، وتقاسم الاردنيون معهم لقمة العيش، وما زال هناك مئات الآلاف من العراقيين يعيشون في الاردن، والشيء نفسه فعله السوريون حكومة وشعبا، ولكن حكام بغداد هذه الايام ينسون هذه الحقائق ويتعاملون بعنصرية بغيضة مع ابناء جلدتهم.
هذه المعاملة الطائفية لابناء الانبار والمحافظات العراقية الاخرى التي تشكك بمواطنة الانسان العراقي هي التي تقف خلف صعود “الدولة الاسلامية” وتمددها واستيلاها على المدن العراقية الواحدة تلو الاخرى.
***
بغداد كانت ويجب ان تظل رمزا للتعايش بين جميع الوان الطيف العراقي، ولكن المؤسف، والمؤلم انها، وفي زمن “العراق الامريكي الجديد” باتت رمزا للطائفية والمذهبية، لان هذا العراق ولد من رحم الاحتلال الامريكي وليس من رحم الحاضنة العراقية الحضارية والمتسامحة.
المؤسف اكثر ان امريكا التي اسست لسياسات التهميش والاقصاء والعزل الطائفية تدعي انها بلد الحريات والتعايش والمساواة، وتستخدم طائراتها في العراق لتأكيد هذه الأكاذيب.
رحم الله “العراق العربي القديم” الذي أعاد للبلاد هيبتها وكرامتها وعزتها وكانت عاصمته تضم اكثر من مليون كردي والملايين من ابناء الجنوب، ولا تستطيع ان تفرق فيه بين السني والشيعي، والمسلم والمسيحي، والعربي والآشوري، وكانت بغداد تفتح ذراعيها لاحتضان الجميع، وتشكل نموذجا في الامن والامان والاستقرار حتى في ظل الحصار التجويعي الامريكي الظالم.
هذا العراق الطائفي وصمة عار في جبين كل اصحابه وحكامه وداعميهم، مسلمين كانوا او امريكان.
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com -
رابط الخبر: https://bawabatii.com/news3670.html