"تقرير"
الحرب التي تشهدها اليمن منذ أكثر من ثمانية أشهر أتت على الأخضر واليابس لبنية الدولة والمواطن الذي يعيش معاناة إنسانية صعبة في ظل تدهور حاد للقطاع الاقتصادي إلا أنها مثلت فرصة للثراء لبعض الفئات لا سيما تلك التي كانت سبباً رئيساً في الحرب.
ورغم صعوبة الحصر والتوثيق إلا أن هناك مؤشرات جعلت المراقب للوضع قادراً على معرفة أثرياء الحرب التي تشهدها البلاد بفعل الانقلاب المسلح على السلطة الذي قام به الحوثيون المدعومون من إيران بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في سبتمبر/ أيلول من عام 2014.
- المليشيا الحوثية وقادتها
صحفي يمني رفض الكشف عن هويته قال لـ"الخليج أونلاين"، إن ثمة فئات تجني أموالاً طائلة من الحرب ووضع البلاد المتأزم وفي طليعتها مليشيا الحوثي وقياداتها عبر ما عُرف شعبياً بالمجهود الحربي.
وأوضح أن المجهود الحربي تمثل في السطو على ميزانية وزارة الدفاع ورواتب الأفراد الوهميين في الجيش وابتزاز كبار التجار ورجال الأعمال بمبالغ مالية كبيرة وخصم أقساط أكثر من مرة على موظفي الدولة الذين حرموا في ظل حكم المليشيات من علاواتهم وبدلاتهم الشهرية والسنوية.
كما شمل ما نهبه الحوثيون ميزانية المازوت الخاص بالمحطات الكهربائية التي كانت تسد العجز عن محطة كهرباء مأرب الغازية، فضلاً عن مبلغ يصل إلى ثلاثة مليارات ونصف المليار ريال يمني (أي ما يعادل 17 مليون دولار) كان مرصوداً لدعم المشتقات النفطية من قبل الدولة وهو لم يعد موجوداً بل إنهم يبيعون جالون البنزين سعة 20 لتراً بسعر يتراوح بين 7000-12000 ريال رغم أنها بالسعر العالمي لا تتجاوز تكلفتها 1800 ريال وحتى في الحالات النادرة التي يباع فيها البنزين بالسعر الرسمي فيبلغ 2800 ريال بزيادة ألف ريال على الجالون وهو فارق يعود بأرباح خيالية.
بدوره فإن الغاز المنزلي الذي يغطي الإنتاج المحلي لاحتياج البلاد لم يسلم من الزيادة، فسعره الرسمي بـ 1250 ريال لكنه يتراوح بين 4000-7000 ريال وهي فوارق تكفي لتكوين ثروة كبيرة.
ولم يتوقف الانقلابيون عند ذلك، فأوقفوا مساعدات الضمان الاجتماعي والتي لا تتجاوز ستة آلاف ريال يمني (نحو 25 دولاراً) في الشهر للمستفيد الواحد. وطال التوقيف مخصصات الدعم الحكومي للعلاجات الخاصة بالأمراض المزمنة مثل السكر والسرطان وغيرها.
كما أن الحوثيين منذ سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر/ أيلول من عام 2014 اقتحموا عدداً من شركات خصومهم وجيروا أعمالها لصالحهم.
- تجار الأسلحة
اليمن والسلاح مقترنان دائماً، فأرقام وزارة الداخلية توضح أن معدل ما يمتلكه المواطن اليمني من السلاح يبلغ ثلاث قطع وهو ما يعني أن أكثر من 60 مليون قطعة سلاح بحوزة المواطن، فضلاً عن أن عمليات النهب الواسعة للمعسكرات بعد الانقلاب ساهمت في انتشار بيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بشكل لافت.
هذا حال السلم فكيف بحال الحرب؟ فالمؤكد أن الأرقام تغيرت وربما تضاعفت بفعل الحرب التي شهدتها نحو 11 محافظة، فيما تشهد المناطق الخالية من النزاع حملاً مكثفاً للسلاح بحجة الحماية الأمنية. فضلاً عن توزيع أطراف الصراع السلاح لأنصارهم، كل ذلك أدى إلى إنعاش تجارة السلاح.
- المضاربون في الصرافة
عدم الاستقرار الاقتصادي وتدهور الوضع الأمني أنعش سوق الصرافة بسبب هجرة كثير من رجال المال والأعمال إلى الخارج، كما ساهم تعميم البنك المركزي اليمني بمنع التعامل بالدولار في زيادة سعر الدولار أمام الريال وأنعش السوق السوداء، حيث تعتمد البنوك سعر 215 ريالاً للدولار الواحد، فيما قيمته تصل إلى 256 ريالاً للدولار الواحد في السوق السوداء.
مصدر في إحدى شركات الصرافة المحلية ذكر "للخليج أونلاين" أن شركته حققت أرباحاً بلغت 700 مليون ريال خلال أسبوع فقط بفعل اتجاه أصحاب الأموال لكسر ودائعهم بالريال وتبديلها بالدولار، إذ تشير أرقام البنك المركزي اليمني إلى أن القيمة الإجمالية للودائع المكسورة تبلغ 800 مليار ريال يمني.
ولم تقتصر طفرة الأرباح فقط على الشركات فهناك أفراد ينشطون في السوق السوداء يحققون أرباحاً يومية تتراوح بين 50-200 ألف ريال يمني وفقاً لحديث أحدهم.
- تجار الطاقة الشمسية
في الوقت الذي كان فيه تجار الطاقة الشمسية في اليمن يعقدون ورش عمل للتعريف بالطاقة المتجددة ومزاياها وسط ركود كبير في مبيعاتهم؛ جاءت الحرب لتغيّب الكهرباء بشكل تام وهو أمر دفع الميسورين من المواطنين لشراء ما يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية مثل الإضاءة وشحن الجوالات وغيرها.
لم يُبق التجار على سعر الألواح والبطاريات وبقية الأجهزة كما هو بل ضاعفوه بين ضعفين إلى خمسة أضعاف في ظل غياب الرقابة، وهو أمر ساعدهم في تحقيق أرباح كبيرة وغير مستحقة، فاللوح الذي كان يباع بسعر 7-10 آلاف وصل سعره إلى 38 ألف ريال قبل أن تشهد مؤخراً انخفاضاً تدريجياً وصل إلى نصف ما كان عليه في سعر الذروة.
- محتكرو الأدوية
الدواء المقدس سعره لدى اليمنيين والذين عادة لا يفاوضون على أسعاره لم يكن بمنأى من الاحتكار من قبل بعض التجار، الذين وجدوا الحرب فرصة لزيادة ثروتهم على حساب أنين المواطن وأوجاعه.
ووفقاً لصيادلة فإن زيادة سعرية طرأت على سعر الدواء بنسبة 20%، فيما وصلت الزيادة على بعض الأدوية المهمة والنادرة لتصل إلى نحو 300%.
- ناهبو البنوك
بين فترة وأخرى تتعرض البنوك وشركات الصرافة لعمليات سطو مسلحة من قبل عصابات أبرزها تنظيم القاعدة، يتم خلالها نهب مبالغ مالية كبيرة وصلت خلال النصف الأول من العام الجاري إلى نصف مليار دولار وفقاً لتصريحات حكوميين.
كما تورطت مليشيا الحوثي في تفجير إحدى خزانات البنك المركزي في عدن ونهب 600 ألف دولار في شهر يونيو/ حزيران الماضي بحسب تصريحات صحفية لمدير الفرع.
وبسبب تدهور الوضع الأمني تعرضت البنوك لحالات نهب منظمة خلال عام 2015، وفي محافظات مختلفة أدت إلى إغلاق البنوك وشركات الصرافة في مناطق النزاع.
ويعاني اليمن من اختلال في ميزان العدالة الاجتماعية والثروة، حيث تتراوح نسبة الأثرياء في اليمن بين 2-3% فقط من إجمالي عدد السكان، وفقاً لدراسة أجريت حول الاقتصاد والسوق الاجتماعي في البلاد.
وبينت الدراسة أن 100 ألف من السكان البالغ تعدادهم نحو 25 مليون نسمة يعيشون بترف ويستحوذون على ما يقارب ثلث القيمة الإجمالية من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
ويتهم مراقبون الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح باستغلال موارد البلاد خلال فترة 33 عاماً من الحكم وتجييرها لمصلحة أسر وشخصيات بعينها.