2025/05/18
دونالد ترامب لا يزال يُعاقب شعب اليمن - [ترجمة خاصة]

ألغت إدارة ترامب حملة القصف التي فشلت في تحقيق هدفها المعلن بتدمير حركة الحوثيين، لكن الإجراءات التي اتخذها ترامب للحد من المساعدات لا تزال تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في اليمن.

لقد حظيت مبادرات ترامب في السياسة الخارجية، ذات الطابع الدرامي والاستعراضي، باهتمام كبير، سواء في ما يتعلق بالصراع بين أوكرانيا وروسيا، أو خطة الاستيلاء الأمريكي المقترحة على غزة، أو حتى على كندا، وبنما، وجرينلاند، ناهيك عن "حرب" الرسوم الجمركية. وقد تبيّن أن العديد من هذه المبادرات حتى الآن لم تكن سوى استعراضات جوفاء يجري الواقع حالياً بتحدّيها.

وعلى النقيض من ذلك، فإن تدخلات ترامب في اليمن كانت جدية، ولها تأثير يومي على الملايين، حتى بعد تعليق حملة القصف المعروفة باسم "الفارس الخشن" (Operation Rough Rider). باستثناء الضربات الأكثر دموية، لم تحظَ هذه التدخلات بتغطية إعلامية تُذكر، باستثناء الفضيحة الهزلية المسماة "Signalgate".

ورغم أن ترامب أوقف الآن الضربات دون الوفاء بوعده بتدمير الحوثيين الذين يسيطرون على غالبية سكان البلاد، فإن السياسة الأمريكية لا تزال تفاقم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

الفارس الخشن
تشير فضيحة "Signalgate" إلى مجموعة على تطبيق سيغنال تضم مسؤولين أمريكيين كباراً ناقشوا تفاصيل الضربات الجوية على اليمن قبل بدئها في 15 مارس. وبفضل مستشار الأمن القومي مايك والتز، تم تضمين محرر مجلة "ذي أتلانتيك"، جيفري غولدبرغ، في الدردشة، مما جعل الفضيحة علنية، بل إنها أصبحت تحظى الآن بصفحة خاصة على ويكيبيديا!
كانت هذه الضربات الجوية أحد ثلاثة عناصر في استراتيجية ترامب باليمن، أما العنصران الآخران فهما إعادة تصنيف حركة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، والوقف الفوري والشامل لكل دعم تقدمه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لليمن. وقد أدّت هذه الإجراءات الثلاثة بالفعل إلى تأثير مدمر على حياة 35 مليون يمني.
استمرت الضربات الأمريكية ليلاً حتى 5 مايو، حين أمر ترامب بتعليقها. في 29 أبريل، انضمت بريطانيا إلى الحملة في محاولة لإثبات ولائها لإدارة ترامب. إجمالاً، نفّذت الولايات المتحدة أكثر من 1,100 غارة. وفي الشهر الأول، كان عدد القتلى منخفضاً نسبياً، نحو 150 قتيلاً، معظمهم من العسكريين وفق التقارير.
لكن في منتصف أبريل، تغيّر الوضع، وارتفع عدد القتلى المدنيين بشكل كبير. أصبحت الضربات أكثر قوة وتوسعت رقعتها الجغرافية، مستهدفة مناطق عديدة كانت قد تعرّضت سابقاً لهجمات التحالف بقيادة السعودية منذ مارس 2015، حيث كانت القوات الجوية السعودية والإماراتية تنفّذ الهجمات حتى عام 2022، قبل أن تتولى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المهمة بدءاً من أوائل 2024.
شملت الأهداف الرئيسية محافظة صعدة شمال البلاد – المعقل الرئيسي للحوثيين– بالإضافة إلى موانئ البحر الأحمر مثل الحديدة، التي يُدخل عبرها معظم واردات اليمن الأساسية من وقود ومواد غذائية. كما تعرضت صنعاء ومناطق حضرية أخرى لهجمات، مما بثّ الرعب في نفوس السكان. ورغم متانة البناء اليمني، إلا أن السكان لم يعتادوا على بناء ملاجئ تحت الأرض تحسباً لهذه الظروف.
كان الهجوم الأكثر دموية هو قصف ميناء رأس عيسى في 17 أبريل، الذي أدى إلى مقتل أكثر من ثمانين شخصاً، معظمهم من موظفي الميناء أو شركات النقل. وفي هجوم آخر، قُتل ما لا يقل عن 68 مهاجراً شرق أفريقي في أحد السجون في 28 أبريل. قُتل يمنيون يومياً، وتجاوز عدد القتلى المدنيين 500 شخص، نتيجة تدمير المنازل والمنشآت التجارية في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله.
بيانات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) تعكس شيئاً من الحرج العسكري حيال هذه الحملة. ففي عام 2024، كانت القيادة تنشر بيانات شبه يومية حول الضربات، لكنها أصدرت بيانات قليلة جداً منذ بداية الحملة الجديدة، باستثناء محاولة "تبرير" قصف رأس عيسى في 17 أبريل.

الهدف النهائي لترامب
رغم تفاخره في البداية بأنه سيقوم بـ"إبادة تامة" للحوثيين، فقد تغير الخطاب الرسمي لاحقاً ليزعم أن الهدف من الضربات هو "استعادة حرية الملاحة" في البحر الأحمر، على الرغم من أن أنصار الله لم يستهدفوا أي سفينة خلال الهدنة في غزة، وبدأت الضربات الأمريكية قبل أن تخرق إسرائيل الهدنة في 18 مارس.

عندما أعلن ترامب نهاية الضربات، زعم أن الحوثيين قد "استسلموا" تحت الضغط الأمريكي: "قالوا لنا إنهم لا يريدون القتال بعد الآن. لا يريدون القتال، وسنحترم ذلك وسنوقف القصف." وفي الوقت نفسه، أعرب عن إعجابه بـ"شجاعتهم"، قائلاً: "يمكنك أن تقول إن هناك قدراً كبيراً من الشجاعة هناك."
وكان لدى ترامب عدة أسباب وجيهة لإنهاء الضربات في ذلك الوقت. فقد أسقط الحوثيون سبع طائرات مسيّرة من طراز MQ-9، تبلغ تكلفة الواحدة منها 30 مليون دولار، بالإضافة إلى 15 طائرة أخرى أُسقطت منذ نوفمبر 2023. كما ساهموا في فقدان طائرتين من طراز F-18، تبلغ قيمة الواحدة 67 مليون دولار، سقطتا من حاملة طائرات أمريكية. وخلال هذا التصعيد، تمكن الحوثيون من إطلاق صواريخ على إسرائيل، أحدها أصاب مطار بن غوريون في 4 مايو، مما أدى إلى إصابة ثمانية أشخاص وأضرار مادية.
كما كان هناك معارضة كبيرة للضربات من مسؤولين أمريكيين كبار، إما بسبب استنزاف الذخائر في منطقة المحيط الهادئ، أو لأنهم رأوا أن أوروبا، لا الولايات المتحدة، هي المستفيد الرئيسي من الوصول إلى قناة السويس – كما أشار السيناتور جي. دي. فانس في رسائل Signalgate. وأخيراً، فإن زيارة ترامب المرتقبة إلى دول الخليج كانت سبباً إضافياً لإنهاء الضربات، حيث لم ترغب السعودية في استمرار القصف خلال زيارته. واغتنم ترامب الفرصة ليعلن النصر، بغض النظر عن الواقع، متخلصاً من عملية كان يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى دون تحقيق أي نتائج ملموسة.
لم يذكر ترامب "تغيير النظام" في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون كهدف، ولا حتى الدعم الأمريكي لإسرائيل. أما قادة أنصار الله، فمنذ البداية أوضحوا أن عملياتهم تأتي دعماً لفلسطين وضد إسرائيل. وفي الواقع، فإن مزاعمهم بالنصر أقل فراغاً من مزاعم ترامب: فإسقاط طائرات MQ-9 ذات المهام الاستخباراتية يُعدّ إنجازاً كبيراً، حيث أجبر القوات الأمريكية على القصف "عشوائياً"، دون تحديد أهداف ذات قيمة عالية. ولم يُقتل أي من قادة الحوثيين البارزين رغم أسابيع من القصف، في حين قُتل العشرات من الضباط الأقل رتبة وتعرضت البنية التحتية لدمار هائل.

قطع شرايين الحياة
إلى جانب الضربات الجوية المباشرة، فإن التغييرات الأخرى في السياسة الأمريكية منذ تولي ترامب الحكم تساهم في التدهور الدراماتيكي لأوضاع المعيشة في اليمن. فقد فقد اليمن تصنيفه كـ"أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، لا نتيجة لتحسن الأوضاع، بل لأن أزمات أخرى تجاوزته في بشاعتها، مثل الإبادة في غزة والحروب السودانية. ثلثا اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم 17 مليوناً يعانون من نقص الغذاء.
حتى 15 مايو، لم يتلقَّ برنامج الأغذية العالمي سوى 12% فقط من التمويل المطلوب لهذا العام، من دون أي مساهمة أمريكية، رغم أن الولايات المتحدة كانت قدّمت 62% من التمويل العام الماضي. أما مساهمة الولايات المتحدة في خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2025، فبلغت 16 مليون دولار فقط – أي 6% من إجمالي التمويل.
ومع تمويل لا يتجاوز 9% من الخطة، أصدرت الأمم المتحدة ملحقاً عاجلاً في 13 مايو تطلب فيه 1.42 مليار دولار لمنع المجاعة، تستهدف به 8.8 ملايين شخص، رغم أن 19.5 مليوناً بحاجة للمساعدة. وفي إحاطته لمجلس الأمن، ذكر رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن هناك 2.3 مليون طفل يعانون من سوء التغذية، ونسبة التلقيح للأطفال لا تتجاوز 69%، واليمن وحده يمثل ثلث حالات الكوليرا المسجلة عالمياً عام 2024.
وبعد أن أمر ترامب بوقف التمويل الأمريكي لليمن وأغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فلن يصل أي تمويل أمريكي لليمن خلال فترة إدارته. ويأتي هذا في وقتٍ تقلّص فيه مساهمات دول أخرى، بينما تزداد الحاجات الإنسانية في العالم، مما يُنذر بعواقب وخيمة على بقاء اليمنيين.

واقع أكثر قتامة
إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية سيكون لها تأثير طويل الأمد. ورغم أن الهدف المعلن هو استهداف أنصار الله، إلا أن التأثير سيمتد إلى جميع اليمنيين نظراً لصعوبة فصل الكيانات العاملة داخل البلاد. معظم البنوك والمنظمات الإنسانية والتجارية تعمل في جميع أنحاء اليمن، ومن الأسهل على الشركاء الخارجيين قطع العلاقات مع اليمن كلياً بدلاً من الخوض في إجراءات استثنائية معقدة.
القطاع المصرفي هو من بين الأكثر تضرراً. فبعد التصنيف، قررت البنوك التي تتخذ من صنعاء مقراً لها نقل مقارها إلى عدن، حيث يقع البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دولياً. لكن هذا الانتقال ليس سهلاً، لا سيما مع معاقبة بنوك كبرى مثل "البنك الدولي اليمني"، أكبر بنك تجاري في اليمن، مما يشل قدرة آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة على التبادل التجاري مع العالم الخارجي.
القيود المالية المرتبطة بتصنيف الحوثيين تعرقل أيضاً تحويلات المغتربين، والتي تشكّل شريان حياة للملايين. وبينما يتمكن البعض في الخليج من استخدام قنوات غير رسمية، فإن غالبية المغتربين في أماكن أخرى سيواجهون صعوبات كبيرة في إرسال الأموال إلى أسرهم.
تعتبر إدارة ترامب سلوك الحوثيين جزءاً من سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، لكنها تتجاهل أن الحوثيين مستقلون إلى حد كبير. وحتى إذا هدأت التوترات بين طهران وواشنطن، فإن إسرائيل تواصل شن ضربات عشوائية لن تتوقف طالما استمر أنصار الله في استهدافها.
وبينما خسر الاقتصاد المصري 7 مليارات دولار من عائدات قناة السويس عام 2024، فإن شركات الوقود والتأمين البحري العالمية تستفيد من تحويل الملاحة حول رأس الرجاء الصالح. ويبدو أن حرية الملاحة في البحر الأحمر لن تعود قريباً.
في عالم يشهد انقساماً متزايداً، فإن الحديث عن دعم روسي وصيني لأنصار الله، سواء كان حقيقياً أو دعائياً، يُدخل اليمن في أتون "حرب باردة جديدة" مرشحة للتصعيد. وفي هذا السياق، فإن بقاء الملايين من اليمنيين المكلومين لا يهم الإدارات التي تضع مصالح حفنة من المليارديرات فوق الإنسانية، وتعتبر غالبية البشر عبئاً يمكن الاستغناء عنه.
وهكذا، يظل اليمن مجرد كارثة من بين كوارث عديدة في عالم اليوم، لا تحظى بتغطية إعلامية تستحقها، في وقت ينشغل فيه الساسة في "المجتمع الدولي" بمصالحهم الذاتية، متماشين مع النظام العالمي الترامبي الجديد، ومتجاهلين معاناة اليمنيين.


* هيلين لاكنر باحثة مستقلة متخصصة في الشأن اليمني، ومؤلفة كتاب اليمن في أزمة: الطريق إلى الحرب (منشورات فيرسو، 2019). كتابها الجديد اليمن: الفقر والصراع والانتقال صدر في مايو/أيار 2022 عن دار ساك هاوس.

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.com/news329053.html