كشفت وثائق سرية حديثة، نُشرت مؤخراً من قبل الأرشيف الوطني الأمريكي، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بأنشطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، بما في ذلك عمليات اغتيال وتدخلات في انتخابات وانقلابات حول العالم.
ومن بين أبرز ما كشفته هذه الوثائق، التي بلغ عددها 2400 وثيقة، معلومات متعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي. وعلى الرغم من عدم تقديم أدلة جديدة حول عملية الاغتيال نفسها، إلا أن الملفات سلطت الضوء على أساليب عمل الـ"سي آي إيه" خلال العقود الماضية.
تاريخ طويل من العمليات السرية
وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، تضمنت إحدى الوثائق، التي تعود لعام 1973، اعترافات بعمليات سرية نفذتها الوكالة، مثل اقتحام القنصلية الفرنسية في واشنطن، وتنفيذ هجمات عسكرية ضد منشآت نووية صينية، ومحاولات تلويث صادرات السكر الكوبي إلى الاتحاد السوفيتي.
كما كشفت الوثائق عن تعاون بين مدير الوكالة الأسبق، جون ماكون، والفاتيكان، حيث أظهرت صلاته بالبابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس، وهو أمر يفتح الباب أمام أبحاث جديدة حول العلاقة بين الاستخبارات الأمريكية والكنيسة الكاثوليكية خلال الحرب الباردة.
انقلابات وتدخلات في الانتخابات
وتوثق الوثائق أيضاً تدخل الـ"سي آي إيه" في الانتخابات بعدة دول، مثل فنلندا، البيرو، والصومال، إضافةً إلى دعمها لانقلابات في دول مثل البرازيل، هايتي، وغويانا. كما تضمنت معلومات غير مسبوقة عن تخطيط الوكالة لاغتيال رئيس جمهورية الدومينيكان، رافائيل تروخيو، عام 1961، كاشفةً عن أسماء العملاء المتورطين في العملية لأول مرة.
أما في المكسيك، فقد أظهرت التقارير أن الرئيس المكسيكي آنذاك، أدولفو لوبيز ماتيوس، سمح لوكالة المخابرات الأمريكية بمراقبة السوفييت على أراضيه، بل وساعد كاهن كاثوليكي في تأسيس شبكات شبابية وتعاونيات زراعية لمواجهة النفوذ الشيوعي في البلاد.
انعكاسات الكشف عن الوثائق
بالنسبة للمؤرخين، يعد الإفراج عن هذه الوثائق خطوة هامة في إعادة تشكيل صورة الـ"سي آي إيه" خلال الحرب الباردة. فقد أظهرت إحدى الوثائق أن نصف الضباط السياسيين في السفارات الأمريكية حول العالم كانوا في الحقيقة عملاء استخبارات، وهو أمر وصفه الباحث فريدريك لوغيفال، من جامعة "هارفارد"، بـ"المذهل".
وعلى الرغم من مخاوف الوكالة من الكشف عن مصادرها، اعتبر باحثون أن هذه الخطوة انتصار للشفافية. فبحسب المؤرخ آرتورو خيمينيز-باكاردي من جامعة فلوريدا الجنوبية، لولا قانون الإفراج عن وثائق عام 1992، لظل كثير من هذه الأسرار مخفياً إلى الأبد.
الوثائق المتبقية والمستقبل
أكد البيت الأبيض أن جميع الوثائق المتعلقة بهذه الملفات أصبحت متاحة الآن في الأرشيف الوطني الأمريكي، مع استمرار العمل على رقمنة الصفحات المتبقية. في حين يترقب الباحثون الكشف عن محاضر استجواب رؤساء المخابرات الأمريكية السابقين، والتي قد تحمل مزيداً من الأسرار حول العمليات السرية التي نفذتها الوكالة في مختلف أنحاء العالم.