2015/05/18
عن مؤتمر الرياض اليمني
بوابتي
ربما سيسجل التاريخ أن اليمنيين أصحاب أطول حوار تاريخي، فمنذ المصالحة الوطنية في العام 1970 وحتى حوار اللحظة المزمع عقده منتصف هذا الشهر في الرياض ونحن ما زلنا ندور في دائرة مفرغة من الحوارات العبثية التي تفضي إلى واقع أكثر تعقيدا واختلالا من الواقع الذي نريد إصلاحه. ومن هنا، يأتي رفضي للحوارات التي تتم دون أي اعتبارات منطقية وموضوعية للواقع السياسي الذي يجب أن تنطلق منه هذه الحوارات، بحيث يمكن البناء عليها بعيدا عن منطق الحوار من أجل الحوار وليس من أجل ما بعد الحوار، وهذه عقدة يمنية عقيمة أسست لها -رغم الإخفاقات الكبيرة التي تؤول إليها- كل حوارات اليمنيين، التي كان آخرها الحوار الوطني برعاية المجتمع الدولي كله والذي اختتم أعماله يوم 25 يناير/كانون الثاني 2014، ليدخل بعده اليمنيون في حروب طاحنة. لم يعد موضوع الحوار بالنسبة لليمنيين غير مدرك، فمطالب اليمنيين من أوضح المطالب التي لا يمكن تجاهلها، وقد عبروا عنها بواحدة من أنصع الثورات السلمية عبر التاريخ رغم أنه مجتمع قبلي مسلح، وبالتالي أعتقد أن ما وصلوا إليه بمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته يمثل خريطة كافية للعمل ينقصها التنفيذ، وهو ما يجب أن يناقش ولا شيء غيره للعمل على إزاحة كل ما يعرقل تطبيق هذه المخرجات وليس العودة إلى نقطة الصفر.
"على الرياض أن تدرك جيدا أن قوى الانقلاب ليست سوى بيادق إيرانية، وأن القوى التي تتقافز الآن من على مركب المخلوع صالح ليس تبرؤا منه ومن ماضيها المنحط وإنما لحجز مقاعدها في النظام القادم مع ضمان استمرارها في مشروعها المريب مع إيران وجماعاتها "
ما أعنيه هنا هو أن اليمنيين لا ينقصهم الحوار ولا ينقصهم الهدف الذي يريدون الوصول إليه بقدر ما تنقصهم الوسيلة إلى الوصول إلى ذلك الهدف، والوصول إلى ذلك قطعا لن يكون عن طريق الحوار فقط لأن كل الحوارات السابقة لا يطبق منها شيء، وإنما تخرج إحدى القوى على إجماع اليمنيين وتفرض واقعا جديدا يستند إلى شرعية القوة والغلبة العصبوية التي تحتكر مقدرات الدولة لفرض منطقها. تحاور اليمنيون خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت وحدة 22 مايو/أيار 1990 وخرجوا بوثيقة العهد والاتفاق التاريخية التي باعتقادي ما زالت صالحة للتطبيق حتى اللحظة مع استثناء المتغيرات الزمنية الراهنة منها، ومثل وثيقة العهد والاتفاق خرج اليمنيون في يناير/كانون الثاني 2014 بمخرجات حوار وطني تشكل قاسما مشتركا يمكن البناء عليه، ولكن أعقبت الحوار -للأسف- حرب طاحنة تدمر كل شيء مثلما دمت حرب 1994 الوحدة. كارثة اليمنيين الحقيقية لن يكون حلها إلا وفقا لمعادلة سياسية جديدة تتم صياغتها على الأرض بتدمير كل مظاهر المافوية اللصوصية وقدراتها التسليحية التي تشكل عائقا أمام أي إجماع سياسي يمني كما هو ديدنها على مر المراحل الانتقالية في اليمن منذ ما بعد ثورة سبتمبر وحتى اللحظة. ومن هنا أتت عظمة ثورة 11 فبراير السلمية التي أدركت خطورة السلاح والاعتماد عليه في صياغة أي اجتماع سياسي يمني، وحققت هذه الثورة نجاحا كبيرا، أدى إلى عودة تحالف الماوفية التاريخية في اليمن بشقيها المذهبي الطائفي والجهوي المناطقي لاستعادة ما يرونه حقا إلهيا وتاريخيا لهم في استعباد اليمن واحتكارها في منطقة بعينها وسلالة بعينها. ومن هنا، وعودة إلى مؤتمر الرياض، أعتقد أن قيادة الرياض عليها أن تدرك جيدا أن أي خطاء في هذه المرحلة ستكون نتائجها كارثية عليها وعلى أمنها القومي والوطني، باعتبار أن قوى الانقلاب ليست سوى بيادق إيرانية وأن أي إغفال لهذه الحقيقة سيؤدي لشرعنة الوجود والنفوذ الإيراني في اليمن من حيث لا يشعرون. أي أن القوى التي تتقافز من على مركب المخلوع صالح ليس تبرؤا منه ومن ماضيها المنحط وإنما لحجز مقاعدها في النظام القادم مع ضمان استمرارها في مشروعها المريب مع إيران وجماعاتها الوظيفية في المنطقة العربية كالحوثيين. وقبل هذا كله، إن أي حوار سياسي يتم بين أطراف متصارعة لا يعدو كونه نهاية طبيعية تفرضها المعادلة العسكرية على الأرض سلبا أو إيجابا، أما في الحالة اليمنية فإن اللجوء إلى الحوار في كل المحطات التاريخية لم يكن سوى تأجيل للحرب وزيادة تضحياتها، وهذا ما ينبغي أن تتداركه القيادة السعودية وكل الأطراف المعنية في اليمن حاليا.
"المفتاح الرئيسي لأي عملية إصلاحية في اليمن يجب أن تبتدئ من موضوع تجريد كل الأطراف من السلاح، وجعل السلاح حكرا قانونيا وواقعا على الدولة التي يجب أن يعاد تشكيل كل بناها ومؤسساتها وفقا لخريطة وطنية من كل أبنائها"
فضلا عن هذا، فإن مسألة الحوار في اليمن قد وصل الناس تجاهها لقناعة أنها ليست سوى شراء للوقت وتأجيل للحسم وزيادة في معاناتهم، وإعادة إنتاج لكل قديم سيئ، وهو ما يفرض على المعنيين باليمن أن يعيدوا تصحيح مسارات الحديث عن حلول ومعالجات للوضع في اليمن من دون تكرار الأخطاء، بحيث لا يكون الحوار إحدى آلياتها بالنظر إلى ما يعيشه اليمن من أوضاع مأساوية لا يجدى معها الحديث عن حوار لا يمكنه تغيير المعادلة المختلة تاريخيا وحاضرا على الأرض. بمعنى آخر، فإن المفتاح الرئيسي لأي عملية إصلاحية في اليمن يجب أن تبتدئ من موضوع تجريد كل الأطراف من السلاح، وجعل السلاح حكرا قانونيا وواقعا على الدولة، التي يجب أن يعاد تشكيل كل بناها ومؤسساتها وفقا لخريطة وطنية من كل أبنائها وخاصة ما يتعلق بالمؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين يتم احتكارهما مناطقيا ومذهبيا من قبل رقعة جغرافيا بعينها. بغير هذا المدخل سيظل الحديث عن أي حوار نوعا من العبث ونوعا من التكرار الممل لسيناريو معروف نتائجه مسبقا، ومن هنا تأتي مسألة التركيز على قضية مفتاحية في أي حوار يمني، وتتعلق هذه القضية بموضوع التمثيل الجغرافي والنوعي أخذا في الاعتبار الكثافة السكانية والظلم والإقصاء والتهميش الذي تعيشه كثير من المناطق اليمنية. ومن قائمة الأخطاء القاتلة التي لا يجب تكرارها هي الأدوات القديمة التي يعاد تدويرها على مدى عقود من الزمن، وأعني بها هنا القوى والوجوه السياسية القديمة التي كانت وما زالت جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل، بالنظر إلى ما حققته وأوصلت اليمن إليه من كوارث، وبالتالي على هذه النخبة السياسية العتيقة أن تتنحى جانبا وتفسح المجال للقوى اليمنية الصاعدة والشابة كشباب الثورة الذين تم الانقلاب عليهم من قبل مؤتمر جمال بن عمر وبتواطؤ كل القوى السياسية وأيضا الدول الراعية للحوار. بغير هذه الملاحظات السريعة أعتقد أن الحديث عن حوار في واقع ملغوم ومعقد لا يقود اليمن والمنطقة إلا إلى متتالية من الأزمات والكوارث السياسية التي قد لا يمكننا تخيل تداعياتها. إن المعنيين بحلول المستقبل هم صناع المستقبل وليس غيرهم، وأعني بهم هنا وأؤكد عليهم شباب اليمن من كل التوجهات والتيارات والمشارب، فهم الضامن الحقيقي لحلول حقيقية وعملية، فساعدوهم على صناعة حلولهم لتساعدوا أنفسكم معاشر الإخوة الخليجيين، فتكرار الأخطاء وإدمانها يؤدي دائما إلى كوارث غير متخيلة.

المصدر : الجزيرة

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.com/news3233.html