2015/11/14
مدينة زبيد اليمنية مهددة بالإنقراض بسبب الإهمال والتهميش

لا تُذكر تهامة إلا ويقترن بها ذلك التاريخ المشرق والمتوهج منذ عقود من الزمن في مدينة العلم ومنارة العلماء، ووجهة الزوار وعشاق الفن المعماري والإرث الحضاري؛ "زبيد" باليمن.

على امتداد قرون مضت، اقترن اسم مدينة زبيد بالعلم والفكر، وكان مسجد أبي موسى الأشعري، وبعده جامعة الأشاعر والمكتبات التاريخية والمدارس الإسلامية، منارة جعلت من زبيد وجهة لكثير من علماء اليمن والعالم الإسلامي واحتضنت المدينة مؤتمرات دينية ومنتديات أدبية وشعرية.

ومع انتهاء عهد الدويلات التي أبدت اهتماماً كبيراً بالمدينة التاريخية، بدأت زبيد تعاني الإهمال من السلطات الرسمية في البلاد منذ عقود مضت، ففقدت المدينة - التي بلغت مبلغاً عظيماً في عهد الدولية الرسولية - دورها الريادي في العلم والثقافة وموقعها الجغرافي وموانئ تجارتها ودمرت أراضيها الزراعية.

أصبحت زبيد اليوم، التي ضمت عشرات المدارس الإسلامية بالأمس، على هامش اهتمام السلطات المحلية، واستطاع النافذون تدمير العديد من المباني الأثرية فيها، وداهمتها المباني ذات الطراز المعماري الحديث، فيما ظلت كغيرها من المدن الأثرية التي تعاني الإهمال الرسمي، حيث لا اعتبار للقيمة التاريخية.

قائمة التراث العالمي

منذ فترة تعالت بعض الأصوات تطالب بسرعة إنقاذ المدينة التاريخية من محاولات طمسها بعد تهديدات دولية بخروج زبيد من قائمة التراث العالمي؛ نتيجة الاستحداثات التي تتم فيها بالنمط المعماري المخالف لطرازها الذي دخلت به القائمة.

ومع أن السلطة المحلية حاولت حينها القيام بإجراءات صارمة للحد من عمليات البناء العشوائي في المدينة، إلا أن أبناء المدينة البسطاء أكدوا أن تلك الإجراءات كانت تستهدف فئة معينة بعينها ولم تشمل النافذين والمعتدين الفعليين.

وقال الأهالي، لـ"الخليج أونلاين"، إن السلطة المحلية منعتهم من ترميم منازلهم الآيلة للسقوط، في حين وزعت دعماً مادياً لإعادة الترميم وفق النمط المعماري القديم للنافذين في المدينة والذين لم يكتفوا بترميم المباني الأثرية، بل استحدثوا مباني حديثة باتت تهدد زبيد بالخروج من قائمة التراث العالمي.

عملية اغتيال

محمد مهدي، المهتم بشؤون زبيد وآثارها، تحدث لـ"الخليج أونلاين" عما تواجهه مدينة زبيد التاريخية من محاولات متكررة لتشويه فنها المعماري، وهو ما يجعل خروجها من قائمة التراث العالمي أمراً محتملاً جداً.

ويصف مهدي ما يحدث للمدينة الأثرية بأنه "جريمة اغتيال للمعالم التاريخية بقصد التهام أراضي تلك المعالم والبناء على مواقعها بالطابع المعماري الحديث والمشوه لنمط البناء في زبيد"، وكشف في حديثه أن الاعتداء على الأراضي امتد ليصل إلى أهم المواقع الأثرية؛ كالمساجد والمدارس العلمية والقلاع وأبواب المدينة.

جهود متباينة

وفي حين يقوم سكان المدينة الأثرية بأنشطة وفعاليات وجهود حثيثة للحيلولة دون فقدان زبيد لتاريخها وطراز البناء فيها عبر الشعراء والمفكرين والباحثين وأصحاب المبادرات الشبابية والمجتمعية، تقف السلطات المحلية مكتوفة الأيدي حيال هذا التهديد الذي قد يخرج زبيد من قائمة التراث العالمي.

المهتم بالتاريخ الأثري لزبيد، محمد مهدي، أكد أن زبيد تتعرض اليوم لمحاولات طمس الهوية من قبل نافذين، وسط صمت السلطة المحلية والأمنية، حيث لا اهتمام من الجهات المختصة لمواجهة الاعتداءات على المعالم التاريخية للمدينة.

وأضاف مهدي أن أحد أهم المباني الأثرية للمدينة؛ "باب الشباريق"، وهو الباب الشرقي والرابع لزبيد، يتعرض للاعتداء بالبناء أمامه، ما يعرضه للاختفاء التدريجي خلف المباني الحديثة للنافذين "الذين يدافعون عن جريمتهم بدعوى امتلاكهم وثائق ملكية، مع أن معظم تلك الأراضي هي حرم للمعالم التاريخية، لكن نافذين في المدينة قاموا بالبسط عليها، ومن ثم بيعها بوثائق مزورة للمواطنين".

وأطلق مهدي مناشدة عاجلة إلى المهتمين والمحبين لمدينة زبيد بسرعة التدخل في سبيل إنقاذ ما تبقى من هذه المعالم قبل أن تلفظ زبيد روحها التاريخية.

اهتمام خارجي

يلاحظ المتابع لمدينة زبيد وتاريخها الاهتمام الذي تبديه المنظمات الدولية بالمدينة الأثرية، فبعدما أعطاها العثمانيون دوراً ريادياً إبان وجودهم في اليمن، ركزت المنظمات الدولية اهتمامها البالغ على المدينة؛ لعلمهم بدورها ومكانتها وما تحتويه من كنوز حضارية، غير أن أبناء المدينة يرون نية مضمرة وراء تلك المنظمات الدولية التي تبالغ باهتمامها على حد قولهم، وهي تحاول الدخول للمواقع الأثرية ليس بهدف ترميمها والحفاظ عليها، وإنما لإجراء حفريات أثرية وتنقيب ودراسة في محاولة لسرقة تراثها.

إهمال رسمي

الصحافي وأحد أبناء المدينة التاريخية، أحمد النعمي، ربط بين التراجع العلمي والحضاري في المدينة وعدم اهتمام السلطات الرسمية بالقيمة الحضارية لزبيد.

ورأى النعمي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن تهامة عامة، وزبيد خاصة، تعيش حتى اليوم على الهامش، مستشهداً على ذلك بتاريخ آخر مدرسة إسلامية في مدينة زبيد، مبيناً أنها بنيت في العهد العثماني، وذلك- بحسب رأيه- مؤشر على توقف النمو الحضاري للمدينة، ونتيجة لكون موقعها الجغرافي يبتعد عن مناطق النفوذ وبؤر الصراع السياسي في اليمن فإنها لم تحظ بأي اهتمام.

وطالب النعمي الجهات السياسية والمؤسسات الثقافية والإعلامية بإطلاق صوتها للمطالبة بإنصاف زبيد مما أسماه الإجحاف الذي تلاقيه المدينة التي كانت عاصمة سياسية ووجهة علمية وتاريخية لليمن منذ قرون مضت.

وحسب شهود عيان، لم يكتفِ النافذون بالاعتداء على المساحات البيضاء والوقف الإسلامي، بل امتد ليشمل الطرقات داخل المدينة، وهو ما خنق المدينة وعجز المواطنون عن إدخال سيارات الإسعاف، ويواجهون صعوبة في إخراج الجنازة.

لم تشهد مدينة زبيد أي اهتمام خلال فترة حكم صالح التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، وقبلها، وعاشت نكبات متعددة في عهد الأئمة الذين حاربوا المدينة لأنها كانت تحاول جذب الأنظار إليها باعتبارها مركز قوة يمكن أن يهدد مركزيتهم في صنعاء، وهي اليوم تدفع ثمن ذلك الإهمال، وتحاول أن توقف العبث بها وبتاريخها المشرق بمبادرات مجتمعية محدودة يواجهها تعمد رسمي لتدمير المدينة بتوفير الغطاء لأصحاب النفوذ الذين لا يعيرون التاريخ أي اهتمام.

تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.com/news31269.html