يعيش في اليمن ما يقارب 200 قبيلة، وهي أكثر بلدان العالم العربي قبليّة من ناحية نفوذ زعماء القبائل وتغلغلهم في مفاصل الدولة، وقامت القبيلة اليمنية في ظل غياب الدولة بجميع الوظائف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يمكن للدولة أن تقوم بها.
كما أنها كانت وما تزال تتمتع بقوة وحضور شعبي في معظم مناطق الشمال والجنوب أيضاً، وقامت في العديد من الفترات الزمنية بحماية الدولة اليمنية من الانهيار، وتحمّلت أعباء كثيرة؛ أبرزها العبء الأمني، وهو الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الدولة لولا ضعفها.
- وثيقة للتفرقة
بعد قرابة ستة أشهر من الحرب في اليمن، قرر الجناح القبلي الموالي لصالح والحوثي إطلاق ما أسموه "وثيقة الشرف القبلية لترسيخ المبادئ الوطنية"، في خطوة يراها المختصون اندفاعاً لتفكيك المجتمع اليمني، مع أن الوثيقة اعترفت في ديباجتها للقبيلة بالموروث الحضاري والتاريخ النضالي الطويل، وقد صدرت الوثيقة في سبتمبر/ أيلول الماضي ويروّج لها حتى اليوم بـ "حملات مليونية" للتوقيع عليها.
وامتداداً للأفعال العبثية التي دأبت عليها الجماعات المسلحة الموالية لصالح والحوثي، والتي أدت إلى انقسام حاد واستقطاب مستمر داخل المجتمع اليمني، أطلقوا هذه الوثيقة لما فيه مصلحتهم الآنية دون الانتباه إلى أن توجهاً كهذا يمكن أن يفكك القبيلة اليمنية، التي عجز صالح عن تفكيكها في كثير من مراحل حكمه، حسب آراء باحثين وقادة فكر في المجتمع.
- القبيلة ترفض الوثيقة
الشيخ أمين عاطف، أبرز زعماء قبيلة "حاشد" اليمنية، أكد في حديث لـ "الخليج أونلاين"، رفض أغلب القبائل اليمنية للوثيقة التي يرعاها تحالف الحوثي وصالح، وتحاول الحصول على تأييد شعبي لها.
ودعا القبائل كافة إلى التوقيع على "وثيقة العهد العربية" التي أطلقتها القبائل المحيطة بصنعاء، والتي "تحفظ تماسك القبائل فيما بينها والنابعة من خبرات الموروث الشعبي"، حسب قوله.
وأكد أن كبار أقيال اليمن (رؤساء ذوو صلاحيات أكبر من مشايخ القبائل) ومشايخها؛ لن يقبلوا أن تكون اليمن "ولاية إيرانية" مطلقاً، "بل سيكون اليمنيون هم السباقون في تحرير الأراضي العربية انتهاءً بالأحواز".
وبالإضافة إلى الشيخ عاطف، الكثير من مشايخ اليمن في مختلف المحافظات وقفوا إلى جانب الشرعية، ورفضوا كل المحاولات الهادفة إلى تطويع القبيلة اليمنية لخدمة أهداف الحوثيين، كما رفضت قواعدهم الشعبية التوقيع على تلك الوثيقة التي جابت المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون، وتعرضوا للاعتقال والسجن عندما لم يعترفوا بتلك الوثيقة ومضامينها.
ورأى مراقبون أن تحالف صالح والحوثي يحاول إضفاء الشرعية القانونية على ممارساته تجاه المواطن اليمني، التي وصلت حد القتل، ففي بند أسمته الوثيقة "العقوبات القانونية"، طالب أصحابها بسن أو تحديث قانون ينص بوضوح على "تجريم الخونة والعملاء، وتجريدهم من الحقوق المالية والوظيفية"، في إشارة إلى المؤيدين لعملية "عاصفة الحزم".
وأعلنت الوثيقة عداءها الدائم للمؤيدين للحرب القائمة ضد مليشيات صالح والحوثي، ورفضها الضمني لأي تسوية سياسية في حال تمت، وهو ما يراه البعض نية مضمرة من القائمين على الوثيقة لممارسة العداء والثأر والتصفية لكل من خالفهم؛ بغض النظر عن الزمان والمكان، تحت ستار الأعراف القبلية، في إعادة واضحة لحديث صالح، عندما سلّم السلطة وتخفى بلباس السياسي المعارض.
الوثيقة التي اعتبرها مشايخ ووجهاء "مناصرة للظالم ومشاركة له في أفعاله الإجرامية بحق الشعب اليمني"، أشارت إلى تشكيل لجنة مشتركة لوضع ما أسمته "قائمة العار" لتسمية المؤيدين للحرب ضد الحوثيين بهدف معاقبتهم.
- تهديد النسيج الاجتماعي
الباحث عبد الله الراسني، رأى فيما أسماها الحوثيون "وثيقة الشرف القبلية" امتداداً لمحاولة الجناح القبلي لصالح في استهلاك كل نفوذ القوة في البلاد لمصلحته، ولو على حساب النسيج الاجتماعي الواحد، الذي ظل متماسكاً بقيمه القبلية الأصيلة في الوقوف مع الحق ضد الباطل خلال فترات طويلة.
ويضيف الراسني، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن محاولة تطويع جزء من القبيلة اليمنية لغرض خدمة أطراف سياسية لا تحظى بالتأييد الشعبي الواسع، وتدفع المجتمع اليمني أكثر نحو التصدع وتهدد بانهيار الكيان القبلي في حال استمرت تلك الممارسات.
وأشار إلى أن صالح يبدو ذكياً في الوقت الراهن والقريب باستخدامه كل الأوراق المتاحة أمامه لمزيد من البقاء، لكن تأثيرات تلك الممارسات ستكون مؤلمة في المجتمع اليمني، وقد تقود إلى تعميق الخلاف القبلي الذي ما يزال يعاني خلافات غائرة أبرزها الثأر.
- ردة فعل عكسية
في الوقت الذي يحاول الحوثيون، بمعيّة صالح، كسب ولاء أكبر قدر من القواعد الشعبية بتمرير تلك الوثيقة، يرى مواطنون ممن رفضوا التوقيع على الوثيقة أنها ستجردهم مما تبقى لهم من مناصرين، وستفشل نظريتهم في كسب ود المواطن نتيجة الحقد والعداء الذي يضمرونه ويحاولون تسويقه؛ كمبادئ وقيم وأعراف للقبيلة اليمنية، وستكون بقدر جريمة أخرى يرتكبها تحالف الحوثي وصالح إلى جانب الجرائم التي ما زالوا يرتكبونها منذ دخولهم العاصمة صنعاء في انقلابهم المسلح 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وتنامى الغضب الشعبي الرافض لسلطة الحوثيين في أغلب المحافظات اليمنية؛ ما أرغمهم على ابتكار وسائل جديدة للمحاولة، دون فقد القاعدة الشعبية التي تتضاءل يومياً بفعل ممارساتهم، التي لم تستثنِ أحداً من المعارضين لتوجهاتهم.
ويحاول صالح جني نتائج ما زرعه لدى القبيلة اليمنية الموالية له منذ صعوده الحكم وإنشاء مصلحة شؤون القبائل، وإغداق المال والسلاح عليها، إذ سعى لتعزيز مكانة مشايخ القبائل في السلطة، وهو اليوم يطالب تلك القبائل برد الجميل له وحمايته.