تمضي ميليشيا الحوثي قدما في تمزيق النسيج الاجتماعي وتفتيت أواصر الترابط والتعايش الاجتماعي الذين عاشتهما اليمن لآلاف السنين. وتعمل هذه الجماعة الطارئة على المجتمع اليمني منذ انقلابها على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014 على تفخيخ المجتمع وإنضاج التوتر الطائفي بشتى السبل. فمن تربية الأطفال وتلقينهم دروس العداء والطائفية المقيتة في المساحد والمدارس مرورا بتجنيدهم وتحويلهم الى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في وجه الآخر في أي وقت. فيما ما تزال كل ممارسات هذه الجماعة محل الاستنكار والإدانة.
فقد أثارت التعديلات التي أجرتها وتجريها جماعة الحوثيين الانقلابية على المناهج التعليمية للمراحل المدرسية الأساسية والثانوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها موجة من الاستياء والرفض.
وتداول ناشطون مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لكتب دراسية معدلة طبعت تضمنت دروساً تعمل على تلميع الآئمة الذين سفكوا دماء اليمنيين طيلة أحد عشر قرناً ونشروا الجهل والمرض والتخلف وتقديمهم للطلاب على أنهم من رموز النضال اليمني، بالإضافة الى تلميع قياداتها التي انقلبت على مخرجات الحوار الوطني وشاركت في قتل اليمنيين وتدمير دولتهم منذ 21 سبتمبر 2014.
ومثَل تسليم مسؤولية قيادة وزارة التربية والتعليم لشقيق زعيم الجماعة الأكبر(يحيى بدر الدين الحوثي) مؤشرا على الأهمية البالغة التي تعنيها لهم فقد كان أول قرار قام بإصداره تشكيل لجنة لإعادة النظر في المناهج الدراسية، ما سيتيح لهم السيطرة على عقول ملايين الطلاب في المرحلتين الأساسية والثانية فقط وتحويلهم الى قنابل موقوتة.
وطبقا لإفادة عدد من التربويين الذين اطلعوا على المناهج التي غيرها الحوثيين فأن الدرس الأول من مادة التربية الوطنية على سيرة الإمام الهادي، مؤسس الدولة الإمامية، التي استمر حكمها لأجزاء من اليمن لألف عام حتى الإطاحة بها في 1962.
في هذا السياق، نقل عن مصادر تربوية بصنعاء عن إجراء الميليشيات الحوثية تغييرات واسعة في المناهج الدراسية، مشيرة في الصدد ذاته إلى أن الميليشيات استهدفت بتغييراتها المناهج الخاصة بطلاب المرحلتين التمهيدية والأساسية والثانوية.
وأكدت المصادر أن الجماعة الانقلابية بوزارة التربية والتعليم، وعبر عدد من اللجان التابعة لها بالوزارة، قامت بتغيير المناهج الدراسية في مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية والتربية الوطنية، في محاولة منها لإضفاء طابع شرعي عليها.
وأشارت المصادر إلى أن اللجان الحوثية غيرت المنهج الدراسي لمادة القرآن الكريم الخاص بالصف الثاني الابتدائي، مضمنة إياها تفسيرات لعدد من السور تستند إلى «ملازم» مؤسس الجماعة الصريع حسين بدر الدين الحوثي، وقالت إن التغييرات التي أجرتها الميليشيات تضمنت دروساً تحرض على القتل والعنف والكراهية والفتنة، وتحث على «الجهاد» وثقافة الموت، وتضم صورة للمقبور بدر الدين الحوثي.
وكانت الجماعة عمدت في السنوات الأولى من انقلابها للتغيير في مادة القرآن الكريم للصف الرابع الأساسي، مضمنة إياها تفسيرات ملازم مؤسس الجماعة الصريع الحوثي، المليئة بالتحريض والمشبعة بالعنف والكراهية وتمجيد آل البيت والحسن والحسين. ومن جانبه، عبر مسؤول بوزارة التربية والتعليم عن غضبه الشديد من عبث الميليشيات الحوثية بمحتويات المنهج الدراسي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وعد كثير من المهتمين بالشأن التربوي تلك الخطوات جريمة خطيرة تنذر بكارثة حقيقية ستعمل على تدمير مستقبل الأجيال، وقال: «منذ تسليم مقاليد وزارة التربية والتعليم للشقيق الأكبر لزعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، تعمل الميليشيات على حوثنة التعليم والعملية التعليمية، بتغيير المناهج الدراسية للمدارس الحكومية والأهلية، وتدريس مناهجها وأفكارها الطائفية المتطرفة المستوردة من إيران، وهو ما من شأنه أن يتيح لهم السيطرة على عقول ما يقارب 5 ملايين طالب في المرحلتين الأساسية والثانوية فقط، وفقاً لإحصاءات عام 2010».
وطالبوا الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية المعنية بالتعليم للتحرك الجاد، وإيقاف مخططات الميليشيات الخبيثة الرامية لملشنة التعليم والعملية التعليمية في مناطق سيطرتها.
مؤكدين أن الجماعة الانقلابية تسعى جاهدة إلى تغيير قيم المواطنة والمساواة والهوية الحضارية، وإذابة الفوارق الطبقية والعنصرية والطائفية في البلاد.
وتسعى الميليشيات من وراء تغيير المناهج الدراسية، وفقاً لما ذكره سكان من صنعاء، إلى تفخيخ عقول الطلاب، وشحنهم طائفياً، والزج بهم في جبهات القتال، وكذا تبييض صورتها كجماعة انقلابية خاضت 6 حروب ضد الدولة، وهو ما تم من خلال حذف كل ما له صلة بتمرد صعدة في المناهج الدراسية، واستبداله بإشارات إيجابية عن حركتهم، والانقلاب الذي قاموا به لاحقاً في عام 2014، بصفته «ثورة».
وأوضح عدد من أولياء الأمور أن لجاناً حوثية شرعت بالمرحلة الأولى من التغيير الذي طال المناهج التعليمية، وانحصر في مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ.
وأشاروا إلى أن ذلك يعكس حقيقة التوجه الحوثي في هذه المواد، وتغيير القضايا المتعلقة بالثورة اليمنية ضد النظام الإمامي في عام 1962، التي ينظر إليها الحوثيون على أنها انقلاب، وهو ما يحاولون تكريسه في المناهج الجديدة.
مراقبون وصفوا، من جانبهم، إقدام الميليشيات على تغيير المناهج الدراسية بـ«السابقة الخطيرة»، وعدوا تلك التغييرات الطائفية محاولة حوثية لتشويه أفكار الطلاب، بالتعبئة الطائفية، واستحضار الخلافات المذهبية، والسعي لتنشئة جيل عقائدي موالٍ للجماعة الطائفية.
وتطرق المراقبون إلى الواقع الذي يمر به اليوم قطاع التعليم، وما خلفه الانقلاب الحوثي من أوضاع كارثية لحقت بالعملية التعليمية، وتحدثوا عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي طالت العملية التعليمية في مناطق سيطرة الميليشيات، بدءاً من الأوضاع البائسة التي خلفتها الميليشيات في صفوف المعلمين نتيجة نهبها لرواتبهم للعام الرابع، مروراً بزجها بآلاف من طلبة المدارس في جبهاتها القتالية، وصولاً إلى اقتحامها وتفجيرها للمدارس، وتحويل بعضها لثكنات عسكرية، وعبثها الممنهج بمحتويات المنهج الدراسي.
وتمر العملية التعليمية في صنعاء، ومناطق يمنية أخرى، ونتيجة للظروف التي فرضتها ميليشيات الحوثي، بأسوأ مراحلها جراء استمرار نهب مرتبات المعلمين، وفرض جبايات، بالإضافة إلى التدخلات الطائفية للحوثيين في مضامين المناهج الدراسية, فيما تستغل الميليشيات المناسبات الطائفية التي تحييها في مدارس صنعاء في استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوف الجماعة من أوساط الطلاب.
يذكر أن، نقابة المعلمين اليمنيين كانت قد حذرت العام الماضى في بيان من مواصلة الحوثىين تجريف القطاع التعليمى بشكل يعمل على "تحويل المدارس إلى محاضن وحسينيات إيرانية تعلم الطائفية وتعبئ الصغار لتحشدهم لجبهات القتال".
وذكرت النقابة حينها أنالحوثيين أجروا 234 تعديلا على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية دون الرجوع للجنة المناهج خلال الفترة 2016 و 2019.