2015/10/15
فنجان قهوة في صنعاء
بوابتي كتابات محمد جميح عندما دخلت صنعاء لأول مرة طفلاً شدني فيها الهواء البارد والأمطار الغزيرة، ولهجة أهلها. القادمون من الصحراء ينجذبون للغيوم، ويحبون المطر، ويشدهم غنج نساء المدينة، ويقفون مشدوهين أمام روعة المعمار في المدن القديمة.
جلست يوماً في مقيل الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي كان ينهض لمصافحتي وأنا الطالب البسيط في سنوات دراستي الجامعية الأولى، وحدثت الشعراء عن ثلاثة معالم أعجبتني في صنعاء: باب اليمن، وعبدالعزيز المقالح، وعيون الصنعانيات. كنت بدوياً أسمر الروح، يذهل لرؤية البشرة الصافية. نحن القادمين من البوادي أهل بشرة سمراء، وعندما نقف أمام البشرة الفاتحة نخال نجوم السموات تمشي على الأرض. كان بياض الصنعانيات شيئاً أشبه بما كانت الجدات تحدث به صغارهن عند النوم عن حكاية الجنيات الجميلات الخارجات من محارات البحار البعيدة. صرخت يوماً في مجلس أمام مجموعة من أصدقائي، أتوا يجادلونني في صنعاء، لأنني أكثر الحديث عنها على حساب بقية المدن في اليمن، صرخت: صنعاء أجمل مدينة على وجه الأرض. صرخت وأنا حينها كنت لا أزال في مراحل العشق الأولى، أقف أمام جسد صنعاء، لم أتجاوز بعد إلى روح المدينة. لم أكن قد جالست أحد أصدقائي في بيته في صنعاء القديمة، لم أكن قد ذهبت إلى قبة المتوكل، والجامع الكبير والسمسرة ، ولا دخلت أسواق صنعاء القديمة، والتحمت بروح المكان، وأكلت وجباتها الشعبية في مطاعم يقعد فيها التاريخ يحتسي فنجاناً من القهوة، ويستمع إلى أغاني الآنسي والسنيدار والكبسي وجميلة سعد. بعدها بسنوات، تجاوزت القشرة إلى لب صنعاء، واقتحمت السور التاريخي لتسبح روحي في فضاء المدينة. عشقت الروح الصنعانية، في رجالها ونسائها، وشوارعها وأزقتها، ومطاعمها الشعبية، والطريقة التي يناديني بها أهل صنعاء عندما لا ينطقون الحرف الأخير من اسم «محمد». أنشدت القصائد في «صنعاء أجمل نساء الأرض». انحزت إليها تماماً، وانقطعت لوصالها في محراب عاشقها الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي قال إن صنعاء «كانت امرأة هبطت في ثياب الندى ثم صارت مدينة». كتبت في صنعاء الكثير من الشعر والنثر، وذهبت إلى مقائل أدبائها وشعرائها، وحضرت عند البردوني، وخالد الرويشان، وأحمد العواضي، وحسن الشرفي وصديق متصوف جميل يسكن صنعاء القديمة اسمه عبدالعزيز عبيد، لكني انقطعت بعدها للعبادة في زاوية «العارف» الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح. بعدها لم أعد أرى المدينة إلا من عيني شاعر «كتاب صنعاء». وفي صنعاء سكنت قبل سنوات في منزل إيجار يتبع الحاج حمود المطري، رحمه الله، الذي كان يدعوني إلى مقيله. كانت زوجته تعد متطلبات المقيل، من ماء بارد وقهوة، وشيء من البخور، ثم نجلس في جو أسري حميم، كان زيدياً متديناً يحب آل البيت، ويحب الصحابة. وكان يحب البدو. كان يقول لي مازحاً: «عليَّ الحرام ما دخل الجنة بدوي واحد»، أرد عليه: ولن يدخل النار بدوي واحد. يقول: «ليش»، أقول: لأنها ستمتلئ من بني مطر (ههههه). يرد: أين تروح من قوله تعالى: «هل امتلأت، فتقول هل من مزيد»؟ يغلبني الشيخ المطري، وألجأ للصمت.
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.com/news25666.html