2015/10/11
هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟
حسن العطار تسببت النزعة القومية التي سادت اوروبا خلال القرن التاسع عشر في عدة نزاعات حول الحدود الترابية ومطالبة بعض الحركات بالانفصال. امتدت الصراعات إلى المجال الاقتصادي، حيث اشتد التنافس الإمبريالي حول مناطق النفوذ (المستعمرات) وخلقت هذه الظروف تحالفات بين الدول الأوروبية انتهت مع مطلع القرن العشرين بظهور مجموعتين متنافستين تتسابقان نحو التسلح هما: دول الوفاق الثلاثي ( الحلفاء) ودول المركز. شكل اغتيال ولي عهد النمسا أثناء زيارته لصربيا يوم 28 يونيو 1914 الذريعة والسبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى. مرت الحرب العالمية الأولى بمرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى (1914-1917) تميزت بتفوق وانتصارات دول المركز بزعامة المانيا. المرحلة الثانية (1917-1918) تميزت بانسحاب روسيا بعد قيام الثورة البلشفية ودخول الولايات المتحدة الحرب، فانقلبت الكفة لصالح دول الوفاق ولم تعد المانيا تتحمل الحرب فاستسلمت. تسببت الحرب في خسائر بشرية كثيرة (حوالي 20 مليون شخص) بسبب ارتفاع عدد القتلى والجرحى. كما خلفت الحرب خسائر اقتصادية كبيرة، فانتشر الفقر والبطالة، كما تعرضت الدول المتحاربة لأزمات مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة، فازدادت مديونيات الدول الأوروبية وتراجعت هيمنتها الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة الامريكية واليابان. تغيرت خريطة اوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تفككت الأنظمة الإمبراطورية القديمة، وسقطت الأسر الحاكمة بها، كما تغيرت الحدود الترابية للقارة الأوروبية بظهور دول جديدة، وقامت الثورة الروسية التي طبقت أول نظام اشتراكي في إطار الاتحاد السوفياتي. اما الحرب العالمية الثانية، فكانت بمثابة نزاعا دوليا مدمرا، بدأ في الأول من سبتمبر 1939 في أوروبا وانتهى في الثاني من سبتمبر 1945، شاركت فيه الغالبية العظمى من دول العالم في حلفين رئيسيين هما: قوات الحلفاء ودول المحور. وقد وضعت الدول الرئيسية كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي، وتعد الحرب العالمية الثانية من الحروب الشمولية، وأكثرها كلفة في تاريخ البشرية لاتساع بقعة الحرب وتعدد مسارح المعارك والجبهات فيها، حيث شارك فيها أكثر من 100 مليون جندي، وتسببت بمقتل وجرح ما بين 50 إلى 85 مليون شخص ما بين مدنيين وعسكريين، أي ما يعادل 2.5% من سكان العالم في تلك الفترة. في نهاية الحرب، كان هناك ملايين اللاجئين المشردين، كما إنهار الاقتصاد الاوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيه. أسفرت الحرب العالمية الثانية عن هزيمة الدكتاتوريات في إيطاليا وألمانيا واليابان وتراجعت مكانة القارة الاوروبية، فلم تعد فرنسا وبريطانيا تهيمنان على العالم، بل برز قطبان جديدان هما الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييتي. كما تغيرت انظمة الحكم في اوروبا الوسطى والشرقية حيث نشأت الديمقراطيات الشعبية، وتطورت المستعمرات خارج اوروبا واتضحت المطالب المشروعة لحركات التحرر من الاستعمار، وانقسم العالم إلى كتلتين متنافستين، الكتلة الغربية برئاسة الولايات المتحدة الامريكية والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي. ثم ظهرت على إثر حصول العديد من المستعمرات على استقلالها الدول النامية التي شكلت ما سمي بالعالم الثالث، وقد كان للدول العربية والاسلامية دور فعال ضمن هذه المجموعة. كان من نتائج الحرب العالمية الثانية عودة جميع بلدان اوروبا الى حدودها القديمة باستثناء بولندا التي توسعت على حساب ألمانيا، وانقسمت أوروبا إلى منطقتي نفوذ سوفييتية في الشرق وامريكية في الغرب، كما قسمت المانيا إلى دولتين واحدة في الشرق وعاصمتها برلين والثانية في الغرب وعاصمتها بون. بقي هذا الوضع حتى نهاية عام 1991 عندما شهد العالم تفكك الاتحاد السوفييتي. المتغيرات التي تمر بها حاليا منطقة الشرق الاوسط تمثل تحديا غير مسبوق للعالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية. كما ان انخراط روسيا مؤخرا في الحرب مباشرة بجانب النظام السوري بحجة محاربة المنظمات الارهابية زادت من هذه التحديات، حيث اصبحت السماوات والبحار المحيطة بالمنطقة العربية مزدحمة بالطائرات والسفن والبوارج الحربية التي تحمل على ظهرها كل انواع الاسلحة المدمرة والفتاكة. وكما شكل اغتيال ولي عهد النمسا "الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته" الشرارة لاندلاع الحرب العالمية الاولى، يكفى (في اعتقادي الشخصي) ان تسقط طائرة حربية لواحدة من هذه الدول الكبرى المنخرطة في الحرب ولو بطريق الخطأ لتكون بذلك الشرارة التي تشعل الحرب العالمية الثالثة. السؤال: هل نحن على اعتاب حرب عالمية ثالثة، تغير خريطة الشرق الاوسط، كما غيرت الحرب العالمية الاولى خريطة اوروبا؟ في اعتقادي الشخصي المتواضع، ان الحرب الجارية حاليا في كل من سوريا والعراق، قد تنتهي بأحد المسارين: حرب عالمية ثالثة محدودة. أصفها بالعالمية لانخراط اكثر من دولة عظمى فيها، وأصفها بالمحدودة لكونها تحدث في جزء من المنطقة العربية. اغلب ضحايا هذه الحرب هم من العرب السوريين والعراقيين وبعض الدول العربية، والباقي من جنسيات اخرى، وهؤلاء هم المقاتلون الاجانب سواء من يقاتل في صفوف المعارضة، او الداعمين للنظام السوري. وقد تنتهي هذه الحرب بتقاسم النفوذ في منطقة الشرق الاوسط بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، كما تقاسمت بريطانيا وفرنسا العالم العربي بعد ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها. ان تعمل الولايات المتحدة الامركية وحلفاءها الغربيين على إغراق روسيا في مستنقع الشرق الاوسط بكل تعقيداته الجيوسياسية والدينية، بهدف مضاعفة استنزافها اقتصاديا وعسكريا. وكما نعلم ان روسيا تعاني ماليا واقتصاديا وتكنولوجيا منذ ان فرض الغرب عليها هذه العقوبات بسبب تدخلها في الازمة الأوكرانية. وفي هذه الحالة قد تضطر روسيا الى الانسحاب كما حدث لها في افغانستان، وتخلوا الساحة الى الولايات المتحدة الامريكية لتغيير خارطة المنطقة العربية، وتمكينها من انشاء الشرق الاوسط الكبير الذي كانت تروج له "كونداليزا رايس" وزيرة الخارجية الامريكية في عهد "جورج بوش" الابن، ما يعني خلق دول جديدة من رحم دول اخرى كالعراق وسوريا، وربما تركيا وايران وبعض الدول العربية. آخر الكلام: العرب هم الخاسر الاكبر من هذه الفوضى العارمة التي يمر بها العالم العربي منذ عام 2011م، واسرائيل هي الدولة الوحيدة الرابحة في المنطقة، وبوسعها ان تنام قريرة العين لمائة سنة قادمة.  
تم طباعة هذه الخبر من موقع بوابتي www.bawabatii.com - رابط الخبر: https://bawabatii.com/news25035.html