د. هيا عبد العزيز المنيع
التسول ظاهرة اجتماعية سيئة وخطيرة.. وفي مجتمعنا لم يعد التسول مظهراً حضارياً سيئاً لمجتمعنا فقط بل بات خطراً أمنياً لابد من مواجهته بقوة ورفض مؤسسي ومجتمعي بحيث نقتطع جذوره من أعماقها.. إشكالية التسول الآن انه بات جزءاً من تهديد أمننا.. وهذه الحقيقة لابد من مواجهتها ليس بالمعرفة فقط بل بتكاتف مجتمعي عام يرفض من خلاله الجميع دون استثناء إعطاء هؤلاء المتسولين أي مال مهما كان قليلاً من وجهة نظرهم فريال مني ومنك ومنها ومنه يتكون مع الوقت رصيد يدعم أعداءنا وقد يقتل بعضنا وهو يصلي أو وهو يقوم بعمله الأمني.
الملاحظ أن التسول يزداد في المواسم بشكل كبير وهو طبيعي لمعرفة القائمين على هؤلاء المتسولين بطبيعة هذا الشهر ورغبة الجميع في عمل الخير وزيادة رصيد الحسنات بالعطف على هؤلاء الضعفاء خاصة الأطفال منهم والنساء والمعاقين..
ما تقوم به هيئة حقوق الإنسان في التوعية بخطر هؤلاء وان هناك استغلالاً للأطفال وهتكاً لبراءتهم يمثل خطوة هامة في التوعية ولكنه لا يكفي مع مشكلة يتطور فكر ممارسيها بشكل سريع.. فالتوسل لم يعد فقط بطفل يقف عند إشارة المرور أو عند أجهزة الصراف الآلي أو قريباً من المطاعم ولم يعد امرأة تلتحف عباءتها وتحتضن طفلها متوسلة عواطفنا وأموالنا ولم يعد مريضاً يقف عند الصيدلية يطلب منا مساعدته في شراء علاج عجز عن شرائه.. بل بات يتسلل لنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبات يتلون في مطالباته فلم يعد يطلب المساعدة لإعانة يتيم أو أرملة أو معاق بل باتت المطالب أكثر مؤسسية وتضمن انتظامية في العطاء حيث التبرع لمعلمي القرآن الكريم والتبرع لطباعة القرآن الكريم والتبرع لبرامج دعوية في الخارج وكفالة يتيم خارج الحدود..
تلك البرامج تأتي أغلبنا عبر جواله في رسالة نصية أو رسالة (واتس) بعضنا إن ساعده وعيه قام بمسحها.. وبعضنا للأسف يأخذها بحماس وجدية ويتواصل معهم مبدياً رغبته في التبرع وكلما زادت مهارة الإقناع لدى هؤلاء كلما زاد التبرع وكلما زاد الاستغلال..
تجفيف منابع التسول مطلب وطني ليس لأبعاد اجتماعية أو حضارية فقط بل بات الأمر يمس أمننا وسلامة وطننا وسلامتنا.. نعم فبعض هؤلاء المتسولين جزء من دعم الإرهاب وخاصة من يتطور فكرهم وترتقي أساليبهم بين وقت وآخر.. فقد كانوا سابقاً يحلبون بعضنا بحفر بئر وبناء مسجد.. واليوم بات حلب بعضنا الآخر يأتي بأساليب أكثر ارتقاء ومنطقية لدرجة ان بعض المثقفين وأصحاب الوعي وقعوا في شراكهم ودعموا برامج هؤلاء دون الاطلاع على منتجها الحقيقي مكتفين بهاتف من القائم على تلك البرامج.. الحد من تمدد هذا الظاهرة يتطلب حزماً في العقاب يرتقي لأهمية الأمن الذي به تستقيم أمور الحياة والاستقرار للأمم.