عليك ألا تغير الأحصنة أثناء السباق، هذه قاعدة متعارف عليها تتحكم في عمليات التغيير السياسي، في أي دولة، واختيار أشخاص جدد لمهمات جديدة، ولكن هناك قاعدة شرعية أخرى قد تفيد وهي «الضرورات تبيح المحظورات»، ولهذا فإن قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باختيار خالد بحاح نائبا له، كان أحد أهم المؤشرات على الإعداد المتميز لمرحلة ما بعد توقف عملية عاصفة الحزم، والبحث في المسار السياسي للأزمة، خاصة بعد التحفظ الشديد، من قبل قوى مثل أنصار صالح وجماعة الحوثي على التعامل مع عبد ربه منصور كرئيس لليمن في المرحلة القادمة، بعد تقديمه استقالته، بل الدعوة إلى محاكمته بتهمة الخيانة العظمى. صحيح أن كل ذلك جزء من الصراع السياسي الدائر في اليمن، ولكن لا بد أن يتم الأخذ به في الاعتبار، والاستعداد لمواجهته بصورة أو بأخرى، دون التحصن برفضه.
الاختيار جاء ليؤكد أن بحاح قد يكون الرجل الذي ساقته الأقدار للخروج باليمن من النفق المظلم، الذي يعيشه على الأقل خلال المرحلة الانتقالية، التي تسبق الدعوة إلى انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية، تنهي حالة عدم الاستقرار التي تعيشها اليمن، كجزء من تداعيات ما بعد ثورة الشباب اليمني، في فبراير من العام ٢٠١١. كما أن التعيين كما لو كان إعادة الاعتبار للرجل بعد كل ما جرى له خلال الأشهر الماضيه، ظن البعض أنها أوصلته إلى مرحلة «الطلاق البائن» للعمل السياسي، وسيعود لممارسة حياته في أميركا أو أي من الدول العربية، بعد أن وصل إلى مرحلة اليأس من تحقيق أي إنجاز، على ضوء التحديات التي واجهته في الأشهر القليلة، التي قضاها في منصبه كرئيس للوزراء، ووصل الأمر إلى فرض الإقامة الجبرية عليه، من قوات الحوثي قبل الإفراج عنه وفك أسره. وهناك من الأسباب التي تدفعنا إلى التمسك بذلك الطرح، منها ما يتعلق بشخص الرئيس عبد ربه منصور هادي من ناحية، ومسيرة خالد بحاح في الحكم خلال الفترة القصيرة الماضية.
وفيما يخص الرئيس عبد ربه، فقد يكون مفهوما مدى التمسك الدولي والإقليمي والخليجي والعربي به كممثل للشرعية في اليمن -على الأقل في تلك المرحلة- في مواجهة الانقلاب المكتمل الأركان، الذي قامت به جماعة أنصار الله المدعومة من قبل علي عبدالله صالح والموالين له، وقد كان هناك حرص شديد من جهات عديدة، وبعضها غير يمني على تهريبه من الإقامة الجبرية، وخروجه إلى عدن لخلق شرعية حقيقية، يمكن البناء عليها في مواجهة العبث الحوثي بمقدرات الدولة اليمنية، ولكن ذلك لا يخفي أن الرجل مع كل الاحترام له، ولدوره في الفترة الماضية، أصبح جزءا من الأزمة، وهناك من يتحفظ على أي دور له في الحل، بل إن البعض يلجأ إلى «صيغة المقايضة» بين استبعاده مع القبول باستبعاد علي عبدالله صالح، الذي خانه ذكاؤه الفطري هذه المرة، وحرق كل أوراقه ومراكبه مع محيطه الخليجي، بعد كل ما قدم له ولنظامه طوال وجوده في السلطة، أو بعد خروجه منها، وفقا للمبادرة الخليجية. ولعل غبار الطلعات الجوية لعاصفة الحزم يجب ألا ينسينا حقيقه أخرى وهي ما تقوله الوقائع، وما يتحدث به اليمنيون أنفسهم، أن الرئيس عبد ربه منصور هو الآخر استنفد كل رصيده على المستوى اليمني والخليجي والدولي، ولم ينجح في استثمار حجم الآمال والتطلعات التي رافقت اختياره لإدارة المرحلة الانتقالية بعد علي عبدالله صالح، وفقد كل حلفائه وأصدقائه خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم يعد مقبولا من معظم الأطراف السياسيه في اليمن، كما ارتكب أخطاء سياسية قاتلة، ويحمله البعض جزءا كبيرا من الأزمة ناهيك عن أن تحركه السياسي اتسم ببطء شديد، وتردد قاتل، وتأخر في تنفيذ بعض مخرجات الحوار الوطني، ومن ذلك إبقاء مجلس النواب على حاله، دون تقاسمه بين الشمال والجنوب، أو السعي جديا باتجاه وضع دستور للبلاد، وعدم اتخاذ القرارات المهمة في الوقت المناسب، بل العكس هو الصحيح، ومن ذلك تسرعه في اتخاذ رفع الدعم عن المحروقات، والتي كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وكانت» التكئة» التي استند عليها جماعة أنصار الله في خلق مظلة جماهيرية لتحركهم الشعبي، قبل أن تظهر حقيقة أهدافهم، وتراجعه عن كثير من القرارات التي اتخذها، واعتماده على عدد محدود من مستشاريه، كما لم يواجه بالحسم اللازم والمطلوب بداية تحركات جماعة الحوثي عندما استولت على منطقه عمران، والتي كانت الخطوة الأهم في الطريق إلى العاصمة، ولم يكن حاسما في عمليات إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، ومحاولة التخلص بحكم صلاحياته من رجال صالح في تلك المؤسسات.
أما ما يتعلق بالمهندس خالد بحاح فقد كان من المؤشرات الهامة في التعامل معه على أنه قد يكون الرجل القادم في اليمن، ومنذ اليوم الأول لاختياره رئيساً للوزراء، قبل تعيينه نائبا للرئيس، فقد حصل على ثقة مجلس النواب اليمني، قبل حله هو ووزارة الكفاءات، التي قام بتشكيلها في أكتوبر الماضي، بما يعني أن هناك توافقا تاما على وجوده في منصبه، حتى من قبل جماعة أنصار الله، وهو الذي رفض كل خطط الحوثيين للسيطرة على مفاصل الدولة، وعندما وجد صعوبة في الاستمرار تقدم باستقالته في يناير الماضي، التي فتحت الباب أمام استقالة الرئيس نفسه، فكان العقاب فرض الإقامة الجبرية على الرجل، والتي لم ترفع سوى بضغوط دولية شديدة على أصحاب القرار في صنعاء، وما زال المراقبون يتذكرون حالة التفاؤل الدولي والإقليمي التي سادت يوم تعيينه رئيساً للوزراء، وتوقف كثير من المراقبين عند حفل التكريم الذي أقامه الأمين العام للأمم المتحده بان كي مون، في وداعه قبل عودته إلى صنعاء، وهو أمر غير معتاد في المنظمة الدولية، وحرص بان كي مون على دعوة ممثلي مجموعة الدول العشر المعنية بالملف اليمني، كما أنه جرت اتصالات بين خالد بحاح ومسؤولين على مستوى عال في الإدارة الأميركية، في رسالة دعم واضحة للرجل في بداية قيامه بمهمته.
وهناك عدد من العوامل التي تعزز فكرة، أنه قد يكون الخيار الأفضل، لأنه من طبقة التكنوقراط، وليس من النخب السياسية والحزبية، فلم يعرف عنه أي اهتمامات سياسية، أو انتماءات حزبية، فلم يكن من قيادات حزب المؤتمر الشعبي، حزب الرئيس صالح مثلا، وقد يكون هذا وراء القبول العام حتى به، وقد تولى بحاح وزارة النفط في ثلاث حكومات مختلفة في السنوات الأخيرة، قبل أن يتم تعيينه مندوبا لبلاده في الأمم المتحدة، ما يعني أن الرجل كان مسؤولا عن القطاع الذي يوفر لليمن حوالي %٨٠ من دخله القومي، كما له خبرة اقتصادية من خلال عضويته في العديد من الهيئات والمؤسسات الاقتصادية.
ولعل الطرح الخاص بخالد بحاح في الفترة السابقة أو الحالية بعد تعيينه، تؤكد أنه الحل الأمثل، فهو مع عاصفة الحزم، التي جاءت «لضرورة وطنية يمنية وعربية»، ومع أيضاً الحل السياسي، الذي لا يستثني أحدا من المشاركة في الحوار الوطني، حتى جماعة الحوثي «على أن تكون قد تعلمت الدرس» كما قال
بقلم اسامه عجاج