صنعت الإدارة الأمريكية بدقة سيناريو "الفوضى الخلاقة" لرسم خرائط التقسيم في نسختها الجديدة مما ولد نموذج الدولة الفاشلة لأنه الأنسب لاختراق الدولة والهيمنة على ثرواتها وبناء قواعد عسكرية جديدة وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية، وبعد أسطورة أسلحة الدمار الشامل لاحتلال العراق، برزت فزاعة "داعش" وعبرها تم تدمير مدن ودول قديمة وأخرى جديدة على الأجندة القادمة، وبرغم كل الدمار والتفكيك الأمريكي الممنهج لأهم الدول العربية والإسلامية والذي خلف أزمة الاحتلال الروسي وسياسة الأرض المحروقة وموجات اللاجئين وتمدد داعش.
اليوم تستهدف إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، أن تدفع هذه الدول الثمن مرتين عبر وصمها وشعوبها بالإرهاب الذي صنعته وفاقمه بالأساس التدخل العسكري الأمريكي الوحشي بالمنطقة، حيث قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منع دخول مواطنى إيران و6 دول عربية لأمريكا لمدة 90 يوما، بجانب عدم السماح بدخول اللاجئين السوريين لمدة 120 يوما.
ومن جانبه، قال عماد عبدالهادي -كاتب صحفي ومحلل السياسي مقيم في نيويورك- في مداخلة عبر الأقمار الصناعية مع فضائية الغد الإخبارية- إن بعض من الدول التي تم منع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، أمريكا نفسها هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تفكيكها أو تحويلها إلى دول فاشلة وتكفينا الإشارة إلى ليبيا والعراق، فالولايات المتحدة تستهدف مواطنين دول لعبت هي دورًا أساسيًا وجوهريًا في تحويل جزء كبير من مواطنيها إلى لاجئين أو ضحايا إرهاب".
وفي اليمن، قالت مصادر محلية في محافظة البيضاء وسط اليمن، إن قوات أمريكية شنت غارات جوية أعقبها عمليات إنزال في منطقة "قيفة" بالمحافظة، مستهدفة أحد القيادات في تنظيم القاعدة، ما أسفر عن مقتل 40 شخصا وسط اتهامات بدور أمريكي مشبوه في اليمن حيث لم تفعل أرواق الضغط الأمريكية ضد إيران وذراعها الحوثيين بينما تركز واشنطن فقط على "القاعدة".
كوارث الإدارة الأمريكية
إدارة أوباما هي المسؤولة عن تمدد داعش وإبقاءها كفزاعة في سوريا، بحسب تحقيق استقصائي لصحيفة "اللوموند": "فالاستخبارات السريّة الأميركية، وبفضل صلاتها بأكناف الثورة، كانت قد تتّبعت صعود الدولة الإسلاميّة سلّم القوّة، خطوةً بخطوة، منذ أواسط عام 2013، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ واشنطن لم تستخدم تلك المعلومات إلّا بشكلٍ شحيح، حتّى بعد بدء الضربات ضدّ الدولة الإسلاميّة في سورية، في سبتمبر عام 2014، والتي شكّلت خيبة أمل للجماعات المسلّحة الوطنّيّة، والإسلاميّة المعتدلة، والتي كانت تأمل الاستفادة منها".
كذلك رفض أوباما الإطاحة بالأسد، برغم مجازر الكيماوي، وإسقاطه كان سيمكن الثوار من القضاء على تنظيم "داعش".
وحذر مراقبون من أن تقسيم العراق لا يفارق العقلية الأمريكية، وأبرز من دعا إليه هنري كسينجر، الذي تحدث عن تقسيم العراق إلى دولة كردية في الشمال، وشيعية في الجنوب، وسنية في الوسط، والأمر ذاته ذهب إليه السيناتور الأمريكي جوزيف بايدن، وغيرهما من الرموز السياسية والعسكرية بأمريكا، ومؤامرة تمكين الشيعة على حساب السنة عبر التقسيم يأتي عبر فزاعة "داعش"، التي صنعتها أمريكا وإيران.
وحتى الآن لا توجد إجابة واضحة ومحددة عن المشروع الأمريكي في العراق الذي بدأ بالغزو وتواصل ناشرا الفوضى والانهيارات، وصولا إلى انتشار تنظيم "داعش" في هذا البلد وتمدده إلى سوريا.
التدخل الوحشي
ومن جانبه، رصد كتاب المؤرخ البارز أندرو باسيفيتش "حرب أمريكا فى الشرق الأوسط الكبير" والذى صدر في مايو 2016، قائلا إن المسئول الأول والأوحد عن الكابوس الشرقى هو وبشكل مباشر التدخل العسكرى الأمريكى الوحشي فى المنطقة.
كتاب باسيفيتش، أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ العسكرى بجامعة بوسطن يقدم سردا تاريخيا لما يسميه الدور الخبيث الذى لعبته العسكرة فى إضعاف دور السياسة الخارجية الأمريكية على مدار أكثر من عشرة تدخلات عسكرية فى منطقة الشرق الأوسط بدأت مما يطلق عليه عثرات كارتر فى السبعينيات إلى الاستخدام الواسع النطاق من قبل الرئيس باراك أوباما فى عمليات الهجوم بطائرات دون طيار.
ويرى باسيفيتش أن الدوافع التقليدية وراء ميل واشنطن للتدخل، كانت عادة تعطش الولايات المتحدة إلى النفط العربى والحاجة إلى تقوية الصناعات العسكرية وأيضا البحث الدائم عن أعداء جدد.
"الأساطير المدمرة"
"باسيفيتش" يروى عددا مما يطلق عليه "الأساطير المدمرة" حول فاعلية القوة العسكرية الأمريكية منها السياسة العمياء التى يتبعها صناع القرار الأمريكى والجنرالات والناخبون ومنها تصور أنه بمجرد استخدام القوة المميتة الساحقة فى القضاء على الطغاة أو الإرهابيين فإنهم سيجرون أذيال الخيبة ويهرولون بعيدا، أو أن هذا ما يريد صناع السياسة فى واشنطن أن يصدقوه لكن الواقع أنه غالبا ما يؤدى إلى الاستياء والفوضى والمقاومة المسلحة فى الدول التى يحدث فيها التدخل العسكرى الأمريكي.