السبت 20 ابريل 2024
الرئيسية - منوعات - جريمة اغتصاب وقتل ارتكبها سوري في لبنان تفضح "التوتر الشديد" بين البلدين
جريمة اغتصاب وقتل ارتكبها سوري في لبنان تفضح "التوتر الشديد" بين البلدين
الساعة 10:04 مساءً
  أثارت جريمة قتل واغتصاب شابة لبنانية، في قرية ذات أغلبية مسيحية شمالي البلاد، غضبا عارما ضد اللاجئين السوريين في لبنان بأكمله وليس فقط بالقرية، إثر اعتراف عامل سوري بارتكاب الجريمة. وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن “قرية مزيارة اللبنانية، رحبت كثيرا بنحو ألف لاجئ سوري، هربوا من الحرب الدائرة في بلادهم قبل 6 أعوام”. هذا الترحيب، وفق الصحيفة، استمر حتى العثور على جثة الشابة، ريا شدياق، البالغة من العمر 26 عاماً وهي ابنة أحد أغنى رجال الأعمال في القرية، في منزلها الشهر الماضي، مقيدة بعد تعرضها للاغتصاب والخنق بواسطة كيس بلاستيكي. وكان عامل المنزل، وهو سوري الجنسية، اعترف بارتكاب الجريمة واعتقل ووجهت إليه تهم بذلك. وأثارت الحادثة ردود أفعال عنيفة ضد السوريين عبر لبنان بأكمله، وفضحت “التوترات الشديدة والواضحة” بين ما يقرب من مليون لاجئ سوري في البلاد ومضيفيهم اللبنانيين، الأمر الذي يهدد بتزايد الانقسامات الطائفية الهشة في لبنان. وبينما تغلق أوروبا والولايات المتحدة أبوابها في وجه العدد المتزايد من اللاجئين، لا سيما من السوريين، يزداد العبء على دول مثل لبنان المجاورة لمنطقة الحرب، في استقبال الغالبية العظمى من اللاجئين. ويستضيف جيران سوريا حوالي 5 ملايين لاجئ سوري، مقارنة بحوالي 18 ألف لاجئ تعترف بهم الولايات المتحدة ومليون آخرين طلبوا اللجوء في أوروبا. وبينما تستمر الحرب في سوريا للسنة الثامنة مع عدم وجود أي إشارة على انتهائها أو التوصل إلى تسوية سلمية تضمن عودة آمنة للأهالي، أدى الأمر إلى تزايد المخاوف بشأن عدم تمكن اللاجئين من العودة لوطنهم. وجاءت جريمة قتل شدياق لتدق على عصب اللبنانيين، الذين يشعرون بأنهم يتحملون نصيباً غير منصف من أزمة اللاجئين، حيث تصاعدت الدعوات المطالبة بإعادة اللاجئين بغض النظر عن الظروف السائدة داخل سوريا. ووصف الكاردينال المسيحي، وجود السوريين في البلاد بأنه “لا يطاق”. وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قال وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، إن اللبنانيين يطالبون برحيل اللاجئين. وأضاف: “أن كل أجنبي موجود على أرضنا ضد إرادتنا هو محتل لأرضنا”. وناشدت الأمم المتحدة اللبنانيين بالامتناع عن “الأعمال الانتقامية الجماعية نتيجة للحادثة المأساوية” بحسب رئيسة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان، ميريل جيرارد. ولكن بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في “مزيارة” جاءت هذه الدعوة متأخرةً جداً. فقد صدرت الأوامر إلى الجميع، اللاجئين منهم وغير اللاجئين، بمغادرة المدينة بعد قتل شدياق، في سابقة يخشى السوريون أن تتكرر مع العديد منهم عبر لبنان.

التوترات القائمة

وكانت التوترات بين اللبنانيين واللاجئين السوريين قد ازدادت منذ عدة أشهر قبل وفاة شدياق. وينتشر السوريون في كل ركن من أركان البلاد، حيث عمدوا للإقامة في المباني تحت الإنشاء، ومرائب وقوف السيارات، ومراكز التسوق المهجورة، والمستودعات وفي الآلاف من المخيمات المؤقتة المنتشرة في المناطق الريفية. جميعهم، بما في ذلك الموجودين في المخيمات، يدفعون الإيجار لأصحاب العقارات الخاصة، حيث أسهم السوريون في إنعاش الاقتصاد، وعملت الأمم المتحدة على ضخ مبلغ 4.2 مليار دولار قيمة المعونات المقدمة على مدى السنوات الخمس الماضية. وتمكن بعض السوريين من العثور على وظائف، معظمها من النوع الذي يحتاج إلى القوة البدنية وبأجور منخفضة، وهي الوظائف التي لا يرغب اللبنانيون بالقيام بها، مثل قطف الفواكه والعمل في مواقع البناء، وهذه الوظائف يتم تنفيذها بشكل روتيني من قبل العمال المهاجرين من سوريا لعقود قبل الحرب السورية. وتضاءلت المعونات الإنسانية مع تراجع الاهتمام الدولي بسوريا، مما يزيد العبء على السوريين، كما أن اقتصاد لبنان قد تأثر بسبب الحرب، وازداد الاستياء ضد اللاجئين، حيث يتهمون بسرقة الوظائف اللبنانية والتسبب في تخفيض الأجور. “مزيارة” واحدة من المجتمعات ذات التاريخ الطويل في توظيف العمال السوريين، حيث أن حوالي ألفين من سكان القرية الخمسة هم أنفسهم من المهاجرين، الذين غادروا إلى نيجيريا ذات الاقتصاد المزدهر والغنية بالنفط، وأنفقوا معظم أموالهم في بناء القصور الفخمة في مدينتهم الرئيسية، بما في ذلك واحد هو نسخة طبق الأصل من طائرة إيرباص A380 وآخر مصمم كهرم. ويستخدم السوريون في بناء المنازل، بما في ذلك الرجل المتهم بقتل شدياق، والذي حددته تقارير الشرطة اللبنانية فقط بالأحرف الأولى من أسمه “ب، هـ”، وكان يعمل في أحد القصور الفاخرة المملوكة لأسرة شدياق قبل عام من بدء الحرب السورية. وبعد أن تم بناء المنزل، استمر الرجل بالعمل كحارس فيه، كما يقول أفراد الأسرة، وكان في البيت عندما كانت “ريا” موجودة هناك وحدها في الساعات الأولى من يوم 22 أيلول/سبتمبر. ووفقاً لتقرير الشرطة، قال الرجل أثناء التحقيق إنه قام بتهديدها بسكين وطلب الأموال، وعندما قالت إنها لا يوجد معها أي أموال قام بتقييدها واغتصابها ثم خنقها. وقال الأب “يوسف فضول”، بعد إجراء مراسيم الصلاة على روح شدياق في الكنيسة المارونية المسيحية في بلدتها “مزيارة” الأسبوع الماضي: “لقد كانت الأسرة تثق به منذ سنوات، ومع ذلك فعل هذا”. وعلى الرغم من أن المتهم لم يكن رسمياً من اللاجئين ولكنه عامل مهاجر، فقد حولت القرية غضبها على جميع السوريين الذين يعيشون هناك. وبحسب “واشنطن بوست” فإن “مزيارة” قرية مسيحية كلياً، ومعظم اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنة، وهو ما يعد فروقات دينية وثقافية تسببت بالفعل في الاحتكاك القائم. وقال فضول: “نحن لسنا غاضبين من الشعب السوري، نحن غاضبون بسبب عدد السكان الذي فرض علينا، أولئك الذين جاءوا إلى هنا لم يعيشوا في مجتمع متحضر، ولا يملكون مثل آدابنا الاجتماعية وسلوكنا المتحضر”. وأضاف المختار المحلي والعمدة الفخري في القرية، جورج كركر، مردداً الشكوى المألوفة: “لديهم أسر كبيرة، أربع زوجات و17 طفلا، ونحن ليس لدينا سوى طفلين. وهم يقودون دراجاتهم النارية حول المدينة في الليل ويزعجون الناس. ويعقدون تجمعات كبيرة ولا نعرف ما الذي يتحدثون فيه”. بعد مراسم جنازة شدياق، تظاهر السكان في شوارع القرية، ورفعوا بعض اللافتات تدعو السوريين للمغادرة. وقال المختار إن الكثير من السوريين فروا، ليل الاثنين الثلاثاء، بعد أن أدركوا أن الأهالي غاضبون منهم وغادر آخرون خلال اليومين التاليين بعد أن حددت لهم البلدية مهلة للخروج. وقال بولص ديب، الذي يدير محل للبقالة: “صدقاً، لو لم يغادروا لكنا قتلناهم، المدينة كلها ضدهم. كل لبنان ضدهم”.

مخاوف متبادلة

وأشارت الصحيفة، إلى أن بعض السوريين تسلموا إشعارات تحذيرية، مثل مصطفى، وهو تاجر سيارات سوري، انتقل إلى “مزيارة” بعد الحرب التي اندلعت في سوريا مع أكثر من 20 فرداً من عائلته الكبيرة للانضمام إلى شقيقه الذي يعمل هناك، وطالب أن يحدد باسمه الأول لأنه يخشى على سلامته. وقال “مصطفى” إن ضابطين من الشرطة المحلية انتظرا خارج منزله في المساء بعد جنازة شدياق وقاما بمضايقة ابنه، ولكماه مرتين في وجهه، وأضاف أن رجال الشرطة عادوا بعد منتصف الليل، مصحوبين بعشرات من الشبان في المدينة يحملون البنادق، وحذروه وعائلته وطالبوه بالرحيل قبل الفجر. فقامت الأسرة بالتكدس في السيارات بسرعة، وتوجهوا إلى مدينة أخرى ما زالوا يعيشون فيها حتى الآن. وبقي السوريون الآخرون بهدوء لبضعة أيام، على أمل أن تخف حدة الغضب ضدهم. “ياسمينة”، جاءت إلى “مزيارة” مع عائلتها في العام 2012 بعد مقتل شقيقها في الحرب السورية، وحصلت على وظيفة جيدة الأجر في صالون محلي لتصفيف الشعر، وأنجبت شقيقتها طفلين، كما يرتاد ابن أختها الأكبر سنا المدرسة المحلية. بعد أن أخبرها رب عملها بأنها يجب أن تترك مزيارة لسلامتها، قامت هي وعائلتها بحمل ممتلكاتهم على مركبة شحن صغيرة، وغادروا للإقامة مع أقاربهم في مدينة تبعد حوالي 40 كم. وكانت “شدياق” الفتاة القتيلة إحدى زبائنها، واستذكرتها ياسمينة وقالت “إنها شخصية جميلة، ولم تميز ضد الأشخاص. أنا حزينة جداً بسبب كل شيء. لقد كنت أحب عملي. وكنت أحب مزيارة. الناس هناك لطفاء جداً. ولكن بعد ما حدث، لقد كرهونا”. ومع توزع السوريين في كل مكان، وانتشار الخوف بين اللاجئين عبر لبنان، واحدة على الأقل من القرى المحلية الأخرى أمرت سكانها السوريين بالمغادرة، فيما فرضت بلدات أخرى في محيط “مزيارة” حظر التجول ومنعت السوريين من الخروج بعد حلول الظلام. وقال هولود الصايغ، الذي يعيش في كوخ في بستان زيتون خارج مدينة “مارياتا” المسلمة السنية: “لقد قالوا لنا إن هذا من أجل سلامتنا في حال قام اللبنانيون بالهجوم علينا. الناس هنا طيبون ولا يريدون أن نتعرض للأذى”. وقال محمد، وهو أحد اللاجئين من محافظة إدلب السورية ويعيش في مدينة طرابلس شمال لبنان، ويتنقل بين مخيمات اللاجئين السوريين لبيع الخضراوات: “الجميع خائفون بالطبع، نحن نخشى أن يأتي شخص ما ويقتل سورياً ما فيتسبب في صراع مسلح”. المخاوف من أن وجود السوريين قد يؤدي إلى حرب بين الطرفين على أساس عرقي وديني، في بلد لطالما كان رهينة للتناحر الطائفي، تثير اللبنانيين من أن القادمين الجدد جاؤوا للبقاء هنا. فيما لم ينس اللبنانيون آخر تدفق للاجئين الفلسطينيين العام 1948، الذي ساعد على إشعال حرب أهلية استمرت 15 سنة بين المسيحيين والمسلمين قبل أكثر من 30 عاماً.

آخر الأخبار